🖊 بقلم الأستاذة جمانة جاسم الأسدي
كما السيف ذو الحدين، هكذا يمكننا وصف العالم الافتراضي الالكتروني، الذي عرفه مجال الإعلام والاتصال المتطور في الأساليب والوسائل والتطبيقات الحديثة، التي سهلت من عمليات التواصل بين البشرية، وكان لها الفضل الكبير في التبادل الحضاري والتقدم البشري والتعامل التجاري، فانتقلت تلك الوسائل من الصوتية والبصرية المباشرة إلى استخدام طرق تكنولوجية تتيح التواصل عن بعد وبطرق أكثر إبداعا واعمق دقة، فتحت هذه التطورات آفاق جديدة وأحدثت تغيرات عميقة وثورة حقيقية في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، الثقافية، الفكرية، الاجتماعية، وأثر بشكل كبير على كافة أنماط الاتصال الإنساني، ومع تطور التكنولوجيا وتعدد اختراعاتها وتجددها بصورة يومية، بحيث لا يمكننا تخطي يوم واحد إلا باكتشاف تقنية جديدة تختلف عما سبقها، إذ أضحت التكنولوجيا من سمات العصر الحديث تساهم في تسهيل الكثير من أمور الحياة، فلا يكاد أحد يستغني عنها، فهي حاضرة في المؤسسات التعليمية اليوم وفي الطب والإعلام والتجارة، وفي الاتصال الاعتيادي والتواصل اليومي لمختلف الاشخاص، في ظل الانتشار المتزايد لاستخدام التكنولوجيا جعل هذا الامر من العالم الواسع عبارة عن قرية الكترونية مصغرة مختزلة عن الكرة الارضية.
كما انها سهلت مسائل التعارف والتقارب والتعامل والتبادل الفكري والتجاري على حدا سواء، لأنها امست الطريقة الاسهل والامثل للتواصل الاجتماعي لتقريب المسافات ولتسهيل المعاملات سابقا وفي ظل وجود جائحة كوفيد-19، التي منعت الاختلاط واوجبت التباعد الاجتماعي والحظر في التنقل بين الدول والمحافظات ايضا، الامر الذي ادى الى تغيير العلاقات الاجتماعية بحيث اصبح الشخص يستخدم التكنولوجيا لوقت طويل دون أن يشعر بنفسه، مستغنيا عن اللقاءات المباشرة وجها لوجه واستسلم لشاشة الهاتف مذعنا لما فيه ، وبدأ يتفاعل مع مجتمعات عدة، تدعي المثالية تارة وتمارس البربرية تارة اخرى.
عرجنا على ايجابيات هذه التقنية، ولكن لابد من ان نسلط الضوء على طرح المشكلة الاعظم المتمثلة بسلبيات فادحة لا يمكن سترها برداء الصمت البالي، فالتكنولوجيا مهدت لما يسمى بالجريمة الالكترونية والتأزم النفسي والتأثير السلبي والتغيير النمطي، فألقت هذه التطبيقات بسمها الزعاف على العالم وعلى مجتمعنا العراقي ايضا، فاستخدامها من قبل اشخاص غير مؤهلين نفسيا للتعاطي مع البشر او من قبل اشخاص لم يتلقوا التربية الاسرية الكافية لزجهم بين المجتمع او من قبل اشخاص يؤسف ان نسميهم ادميين حتى.
فنلاحظ ازدياد انتشار تحميل ونقل وتوثيق المظاهر المجتمعية غير المقبولة والاجرامية الخارجة عن القانون بسببهم بشكل سلس وعلني، ليراه الصغير والكبير، العاقل والجاهل، هذه المظاهر غير المعهودة انسانيا لحسن التعامل مع الحيوان او التواصل مع الانسان، التي لا يجب ان يراها الاخرين منعا للتأثير الكبير على نفسياتهم وعلى اطفالهم وحرصا على السلامة الاخلاقية الفكرية للمجتمع.
كنا نسمع عن الجرائم كحالات نادرة نوعيا ومتناثرة متباعدة زمانيا ومكانيا، اما ان تقوم بفتح هاتفك يوميا لترى الدماء والاعتداء وتسمع الالفاظ النابية والسوقية بشكل مبالغ فيه الى حد يوصل البعض من صغار العقول الى استساغه هذه الالفاظ وتداولها وعدم الامتعاض من الافعال غير السوية وممارستها على الاخرين دون وعي، فهذا يعني بالضرورة ان المجتمع يذهب نحو الهاوية، او انه قد ذهب فعلا !.
مواقع التواصل الاجتماعي والنشر السلبي غير الممنهج والمتابع فيها ليس هو من انشئ الجريمة في العراق منذ عام 2003 الى اليوم، بالتأكيد، فهناك اسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية وطائفية ادت اليها، الا انه وسيلة لا تقل خطورة عن غيره فهي المؤثر النفسي والعامل الممهد، كما ان النظرة الاولية لأعداد الجرائم التي حصلت في الفترة الاخيرة مرعبة حقيقةً، ولم تعلن المؤسسات الرسمية العراقية عن اعداد الجرائم في البلاد منذ 10 سنوات، الا ان مدير التدريب والتأهيل في وزارة الداخلية العراقية جمال الاسدي، قال : ان هنالك تصاعد مخيف للجرائم في العراق، مشيرا الى ان عددها كان بحدود 4300 حالة قتل في 2015 و 4400 حالة في 2016 و 4600 حالة في 2017، ومثلها في 2018، و 4180 حالة في 2019، اما 2020-2021 فقد شهدا ارتفاعا كبيرا يصل الى اكثر من 4700 حالة، ليصبح العراق بذلك الاول عربيا !.
ومن هنا نشدد ونؤكد على المسؤولية الاجتماعية والاسرية والحكومية، لأخذ كل ما يلزم من التدابير الوقائية والقانونية للحفاظ على القيم والمبادئ الانسانية السليمة من مخاطر هذه المواقع، فالمجتمع اجمع يتحمل مسؤولية التصدي والتغيير والاسرة ملزمة بضرورة متابعة ابنائهم حفاظا على هذه البراعم الصغيرة من التلوث الفكري الالكتروني المقيت وهذا يتم بالمراقبة المتواصلة اثناء استخدام ابناءهم لمواقع التواصل الاجتماعي، والتحدث معهم بشكل مستمر عن وجوب عدم المساهمة في المظاهر السلبية وعدم التعليق عليها او مشاركتها ونقلها للأخرين، بل يكتفي بتجاوزها حظرها او الابلاغ عنها، كما ويقتضي الامر من الاهل ان يحذروا ابناءهم من ضعاف النفوس الذين قد يحاولون استغلالهم ماديا او جنسيا، كما يقع على عاتق الاعلام ضرورة الاستمرار في زيادة الوعي المجتمعي بمخاطر التكنولوجيا والتطبيقات الالكترونية ونبذ تحميل ونشر المقاطع الدموية واللاأخلاقية وذلك من خلال تكثيف الجهود والنشر الدائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمعية القنوات الفضائية والمشاهير المؤثرين ايجابيا، اما مسؤولية الدولة فهي في ضرورة وجود قواعد وقوانين ردعية لمعاقبة هذا المجرم الالكتروني وعدم الاكتفاء بالقواعد العامة التقليدية البالية التي اكل عليها الدهر وشرب.