🖊 بقلم الدكتور أحمد طلال عبد الحميد البدري
لا يكفي اعتراف المشرع بوجود مصالح محلية متميزة عن المصالح القومية لقيام اللامركزية الإدارية ما لم توجد هيئات محلية تتولى تسيير المصالح واشباع الحاجات المحلية تمثل أبناء منطقة معينة يتم انتخابها انتخاباً مباشراً من قبلهم وبذلك يتحقق استقلال هيئات الإدارة المحلية تجاه السلطات المركزية، وهذا العنصر في اللامركزية يمثل جوهر الديمقراطية المحلية التي تعد من مرتكزات الحكم الرشيد، وقد عبر عن هذه الحقيقة الفقيه أندرية دي ميتشيل (Andre Demiche) بالقول (.. الحريات المحلية تكون التعبير القانوني لرباط متميز يربط البشر بإطارهم للحياة، إنجاز هذه الحرية يعبر بالتأكيد بواسطة اللامركزية، ولكن هذه الاخيرة إلا وسيلة..)، في حين اعتبر الفقيه جوزيف بارثملي (Joseph Barthelemy) اللامركزية مدرسة للحياة بقوله (.. أن الامتياز الأكثر أهمية في اللامركزية يتمثل في كونها مدرسة للحياة العامة ومن خلالها يستطيع المواطنون المشاركة الفورية في إدارة المصالح المشتركة بما لديهم من ميل في تقرير شؤونهم بأنفسهم، كما تعمل على تقديم الروح العامة اللازمة لوجود الأمة وصون سيادتها، وهذا من شأنه تدعيم المنظمات الدستورية وتجديدها وتعزيز وحدة الدولة).
وقد تطور مفهوم المشاركة ليتخذ بعداً جديداً في الحياة السياسية، وقد عبر عن ذلك المفكر رولاند بينوك (Roland Pennok) في معرض تمييزه بين مصطلح (المشاركة) في حد ذاته وبين ما اصطلح على تسميته حديثاً (بالمشاركة الديمقراطية) أو (ديمقراطية المشاركة) ويؤكد على أن المصطلح الأول قد أرتبط بالمفهوم القديم للمشاركة الذي لا يعني اكثر من حق المواطن في القاء ورقة الاقتراع في صندوق الانتخاب من وقت لآخر، في حين أن المفهوم الحديث للمشاركة يتعدى مفهوم الديمقراطية التي تستند إلى نظرية التمثيل أو النيابة إلى التطبيق الواقعي لمختلف صور الديمقراطية شبه المباشرة فضلاً عن ممارسة شيء من الديمقراطية المباشرة بوسائل شتى وعلى مستويات مختلفة.
وقد أخذ المشرع العراقي بمبدأ انتخاب رؤساء وأعضاء الهيئات المحلية في المحافظات غير المنتظمة في إقليم وأحال تنظيم ذلك إلى القانون، حيث نصت المادة (122) الفقرة (رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على أن (ينظم بقانون، انتخاب مجلس المحافظة والمحافظ وصلاحيتهما)، وكذلك تنظر المواد (7/أولاً) والمادة (8/أولاً/ثالثاً) و(12/أولاً/ ثالثاً) و(27) و(39/أولاً) من قانون المحافظات غير المنظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل، وبالفعل أصدر المشرع قانون انتخاب مجالس المحافظات والاقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008، ثم صدر لاحقاً قانون انتخاب مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 الذي الغى القانون الأول باستثناء المادة (23) منه لحين إجراء الانتخابات المحلية في محافظة كركوك استناداً للمادة (51) من قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018.
ويلاحظ إن القانون المذكور قد قصر حق انتخاب اعضاء المجالس المحلية على مجالس المحافظات والاقضية فقط بعد إلغاء مجالس النواحي بموجب التعديل الاخير لقانون المحافظات غير المنظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل، حيث تم إلغاء مجلس الناحية بموجب المادة (2) من قانون التعديل الثالث رقم (10) لسنة 2018 الذي عدل المادة (3) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 بالغاء مجالس النواحي وتقليص عدد أعضاء مجالس المحافظات والاقضية، إذ يمارس الناخب حق الانتخاب بالتصويت بصورة حرة ومباشرة وسرية وفردية ولا يجوز التصويت بالوكالة، كما يحق للناخب التصويت للقائمة أو للقائمة واحد المرشحين كما يجوز الانتخاب الفردي ، كما اعتمد القانون المذكور نظام الدوائر الانتخابية وتعد كل محافظة غير منتظمة في إقليم وفقاً للحدود الإدارية الرسمية دائرة انتخابية واحدة في انتخابات مجالس المحافظات، وكذلك الحال بالنسبة للاقضية مع إعطاء محافظة كركوك وضع خاص بموجب المواد (23) و (35) من قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018، والحقيقة ان القانون المذكور تتمثل أهميته في كونه يعبر عن جوهر فكرة الإدارات المحلية التي تدار من قبل ممثلين حقيقيين للسكان المحليين، وضمانه لتحقيق مشاركة أكبر التي تعتبر أحد ركائز الحكم الرشيد وتنسجم مع فكرة التعددية السياسية في ظل تدهور معدلات الاستقرار السياسي وتزايد أهمية مشاركة منظمات المجتمع المدني في الحياة السياسية وتمكين المرأة والفئات الهشة في المجتمع من المساهمة في الحياة السياسية، إذ أن قانون الانتخابات الجيد أحد أدوات الاصلاح التشريعي التي تعكس العلاقة التكاملية بين مفهوم الاصلاح بشكل عام والديمقراطية بحيث تعتبر شرطاً أساسياً وعاملاً محركاً للرشادة السياسية، فلا يمكن الحديث عن رشادة سياسية في نظام غير ديمقراطي يخلو من فضاء للمشاركة السياسية من جهة وفعاليات المجتمع المدني والقطاع الخاص من جهة أخرى.
إلا إن قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 تضمن العديد من مواطن القصور التشريعي وكرر نقاط الضعف التي كانت مؤشرة في القانون السابق، وفشل في ربط مفهوم الاصلاح التشريعي بنظام اللامركزية الإدارية، فاصلاح النظام اللامركزي يقتضي وجود تشريعات جيدة وفعالة لتحسين آليات إدارة وتسيير المصالح العامة وتحقيق مبدأ الاستقلالية المحلية وكفاءة توظيف الموارد أخذة بنظر الاعتبار التوزيعات المكانية للجماعات المحلية، وهذا يقتضي بالضرورة تطبيق مبدأ المشاركة في الحكم المحلي، ويجسد مبدأ المشاركة فكرة الديمقراطية بمفهومها الجديد بما يعكس عمق العلاقة بين الحكم الرشيد والديمقراطية، وسنحاول الإشارة إلى مواطن الضعف والقصور في القانون المذكور والتي تحتاج لاصلاح تشريعي لضمان تحقيق مبدأ المشاركة في مفهومها الواسع كما بينا سابقاً، فالاصلاح التشريعي يعد آلية من آليات البناء الديمقراطي الذي يقوم على جملة من الأسس وهي العدالة، المساواة، الحرية ومبدأ تكافؤ الفرص في كل الميادين ولكافة فئات المجتمع ومنها المجتمعات المحلية، وهو ما سنبينه على النحو الآتي :
1- وجود تكرار في استخدام بعض العبارات في القانون ومنها (يمارس كل ناخب حقه في التصويت للانتخابات بصورة حرة ومباشرة وسرية وفردية ولا يجوز التصويت بالوكالة)، ثم أعاد المشرع وذكر عبارة (التصويت شخصي وسري)، وأيضاً عاد وذكر عبارة (يمارس كل ناخب حقه بنفسه في الدائرة الانتخابية التي يكون فيها مسجلاً) في حين أن عبارة شخصية التصويت ومنع التصويت بالوكالة تغني عن عبارة ممارسة الناخب حقه بنفسه.
2- نص القانون بأنه يستهدف تحقيق المساواة في المشاركة الانتخابية وضمان عدالة الانتخابات وحريتها ونزاهتها، كما نص على ممارسة هذا الحق دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، إلا أن القانون ناقض نفسه عندما نص على تخصيص (كوتا) لبعض مكونات الشعب العراقي في محافظات معينة كبغداد ونينوى والبصرة وواسط وميسان ومحافظة كركوك، فضلاً عن ذلك فإن وجود (كوتا) المكونات يؤدي إلى صعوبة تعامل النظام الانتخابي مع توزيع الحصص المحددة في المقاعد النيابية للمكونات المشمولة بالكوتا، وهذا ايضاً يتناقض مع مبدأ تخصيص مقاعد في مجالس المحافظات على أساس التمثيل غير السياسي لمكونات غير سياسية، إضافة لصعوبة تمكين تمثيل مجموعات الاقليات في الانتخابات وخصوصاً أن التصويت يجري من ناخبين مختلفين ليس شرطاً أن يمثلون نفس المكون وبالتالي يصعب القول إن المرشح الفائز ضمن مقعد محجوز هو ممثل الاقلية المحددة بالقانون.
3- بالرغم من أن القانون المذكور نص على ممارسة حق الانتخاب لكل عراقي توفرت فيه الشروط المنصوص عليها في القانون دون تمييز بسبب الجنس، إلاّ أن القانون المذكور ميز بين الجنسين عندما خصَ النساء بحصة من المقاعد (كوتا)، وهو نفس اتجاه المحكمة الإتحادية العليا الذي ذهبت اليه في قرارها التفسيري المرقم (13/ت/2007) في 31/7/2007 التي اعتبرت فرض نسبة تمثيل للنساء في قانون المحافظات لا يتعارض والمادة (14) من الدستور، بل هي منسجمة مع المادة (49/رابعاً) من الدستور التي تستهدف تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب وهو ما يجب العمل به في مجلس المحافظة المنتخب نظراً لوحدة الهدف والاختصاص في المجال التشريعي وأن ذلك لا يتقاطع مع المبدأ المنصوص عليه في المادة (14) من الدستور، وهذا يتطلب سلسلة إجراءات للوصول إلى (الكوتا النسائية) والنظام الانتخابي لا يستجيب بشكل فعال للوصول إلى النسب المذكورة، ومن وجهة نظرنا أن تحديد حصة تمثيل النساء في المجالس المحلية مفيد لخلق مشاركة أوسع للمرأة في الإدارة المحلية، ولكن من جانب آخر تكون هناك صعوبات للوصول إلى النسبة المذكورة بسبب ضعف إقبال العنصر النسوي على المشاركة في الانتخابات وتعقيد الاجراءات في النظام الانتخابي لتحقيق النسبة المذكورة كما أن ذلك يؤدي إلى فوز بعض العناصر النسوية التي تفتقر للمؤهلات بدعم من حزبها لغرض ضمان الحصول على الكوتا النسائية بصرف النظر عن مؤهلات وامكانيات الفائزات من النساء، فالعبرة ليست بوجود نسبة تمثيل للنساء لملئ المقاعد بقدر ما يكون هذا التمييز محققاً لهدفه وهو ضمان مشاركة واسعة وفعالة في الإدارة وصنع القرارات المحلية، وإلاّ يغدو هذا التمييز غير مبرراً واخلال واضح لمبدأ المساواة .
4- إن القانون المذكور لا يحقق مشاركة حقيقية فعالة لأنه يسمح بالتلاعب بإرادة الناخبين المحليين وذلك بتحويل المقعد النيابي إلى أحد المرشحين من خلال تبني أسلوب القرعة المستند إلى الحظ في حالة حصول قائمتان على نتائج متساوية تؤهلهمها للحصول على مقعد واحد وكان هذا المقعد الاخير، أو من خلال اعتماد التسلسل المعتمد من الحزب أو التنظيم السياسي للمفاضلة بين مرشحين أو أكثر حصلوا على أصوات صحيحة متساوية وكان ترتيبهما الاخير ضمن الدائرة الانتخابية، أو من خلال تحويل مقعد عضو المجلس الذي فقده لأي سبب إلى مرشح آخر حاصل على أعلى الاصوات لحزب أو تنظيم سياسي حاصل على الحد الاعلى للاصوات ولم يحصل على مقعد، إذ أن تحويل المقعد معناه تحويل اصوات الناخبين من مرشح إلى آخر وهذا يخالف عدالة ونزاهة العملية الانتخابية كما تنطوي على تحريف للارادة الحقيقية للناخبين من خلال تحويل اصواتهم لمرشح آخر لم ينتخبوه، وهذا ما أكدته المحكمة الإتحادية العليا في قرارها المرقم (67/إتحادية/2012) في 22/1/2012 الذي جاء في حيثياته (... إن عملية تحويل صوت الناخب من المرشح الذي انتخبه إلى مرشح آخر من قائمة اخرى لم تتجه إرداته لانتخاب مرشحها تشكل خرقاً ومخالفة لأحكام المادة (20) من الدستور والمادة (38/أولاً) منه التي كفلت هي الأخرى ضمان حرية التعبير عن الرأي، ويشكل خرقاً لاحكام المادة (14) من الدستور التي كفلت المساواة بين الطرفين أمام القانون...) .
5- اعتمد المشرع نظام التمثيل النسبي وفقاً لنظام القائمة المفتوحة ويحق للناخب التصويت للقائمة أو للقائمة وأحد المرشحين كما يجوز الانتخاب الفردي، والمبدأ الاساسي للتمثيل النسبي هو أن يضمن تمثيل الاقليات في كل دائرة انتخابية تبعاً للنسب الصحيحة للأصوات الحاصلة، فهذا النوع من التمثيل يسمح باعطاء مقاعد للاغلبية والاقلية في آن واحد إلاّ أن تطبيقه شديد التعقيد، كما أن هذا الاسلوب يعمل على تكريس تعددية الاحزاب وضمان لكل أقلية مهما كانت هزيلة تمثيلاً لها، كما يسمح بتمثيل الاحزاب الصغيرة، ومن عيوب هذا النظام أن الناخب سيصوت لقائمة الحزب الذي يؤمن ببرنامجه وبذلك يكون التنافس في الانتخابات على أساس حزبي لا على أساس شخصيات المرشحين، لأن الاحزاب السياسية هي من تقدم قوائم بمرشحيها وفقاً لترتيب معين في الدوائر الانتخابية ووفقاً لعدد المقاعد في الدائرة، ولذلك فإن هذا النظام يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص لأنه يحرم المستقلين أو الاشخاص الذين لا ينتمون إلى أحزاب سياسية من المنافسة لأن الاحزاب من تضع القوائم، كما أنها تسلب إرادة الناخب عندما يصوت على قائمة رغم عدم رضاه عن بعض الاشخاص الموجودين فيها.
6- اعتمد المشرع طريقة (سانت ليغو) في توزيع المقاعد في المجالس المحلية والتي تعتمد القسمة على أول عدد فردي (1، 3، 5، 7، 9 ...الخ)، وطريقة سانت ليغو (Sant lague) نظام يتم من خلاله معرفة عدد الاصوات التي تحصل عليها القائمة الانتخابية من خلال قسمة عدد الاصوات التي تحصل عليها القائمة الانتخابية على أرقام فردية ولذلك تسمى طريقة (الرقم الفردي) وهذه الطريقة وإن كانت تؤدي إلى زيادة عدد الاحزاب الممثلة في المجلس المنتخب إلاّ أنها تخلق حالة من التفاوت الكبير في قيمة المقعد (نصاب المقعد) – أي عدد الاصوات اللازمة للحصول على مقعد، كما أنها تؤدي إلى تمثيل عدد كبير من الاحزاب في المجالس المحلية مما يؤدي إلى صعوبة اتخاذ القرار، إلاّ أن المشرع العراقي لم يعتمد القسمة على الأعداء الفردية الصحيحة وإنما اعتمد طريقة (سانت ليغو) المعدلة التي لا تعتمد أرقام صحيحة وإنما (1.4) أو (1.6)، حيث اعتمد المشرع العراقي القسمة على أول عدد فردي (1.7)، إذ نصت المادة (12/أولاً) من قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 على أن (تقسم الاصوات الصحيحة لكل قائمة على الاعداد التسلسلية (1,7، 3، 5، 7 ....الخ) وبعدد مقاعد الدائرة الانتخابية ثم يجري البحث على أعلى رقم من نتائج القسمة ليعطى مقعداً وتكرر الحالة حتى استنفاذ جميع مقاعد الدائرة الانتخابية)، وهذه الطريقة تقلل من فرص الاحزاب السياسية الصغيرة في التمثيل وهي أصلاً مطبقة في نيوزلندا والنرويج والسويد بهدف جعل عملية توزيع المقاعد لصالح القوائم الكبيرة، وأن زيادة العدد الأول إلى (1.7) من شأنه ضمان خسارة مقاعد الاحزاب الصغيرة لحساب الكتل السياسية الكبيرة وبذلك تكون القوى الكبيرة وضعت تشريعاً مناسباً لها حساب القوى الأصغر مما يمنع احداث تغييراً كبيراً في الانتخابات، وهذا من شأنه أن يخل بمبدأ المشاركة والعدالة في التمثيل داخل المجالس المحلية.
7- عدم استجابة القانون المذكور وإيفاءه بالحدود الدنيا للمشاركة السياسية للشباب بأن تكون شفافة وقائمة على الاحترام وخاضعة للمساءلة وملائمة للشباب ووثيقة الصلة بهم وشاملة للكافة وطوعية وآمنة، وهذا يقتضي موائمة السن الأدنى للاقتراع مع سن الاهلية الادنى للترشيح للانتخابات المحلية، وتخصيص حصص للشباب في قوانين الانتخابات طالما أنه أخذ بالكوته النسائية، فالقانون الحالي اشترط في المرشح أن يكون عراقياً كامل الاهلية أتم الـ (30) الثلاثين من عمره في السنة التي يجري فيها الانتخابات، وهذا قيد غير مبرر يحرم الشباب الواعي سياسياً من ممارسة العمل السياسي ففي فرنسا يسمح لمن بلغ سن (25) سنة الترشيح لرئاسة الجمهورية وفي قانونا نمنعه من تمثيلنا في المجالس المحلية، كذلك نجد أن القانون حدد سن الناخب باتمام (18) الثامنة عشرة من عمره في السنة التي تجري فيها الانتخابات، في حين نجد بعض الدول تعتمد حدود دنيا تصل إلى سن (16) سنة من الارجنتين والنمسا والبرازيل وكوبا و(17) سنة أندونيسيا وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وأغفل المشرع أيضاً وضع الآليات اللازمة لمشاركة شفافة وفاعلة لذوي الاعاقة في الحياة السياسية وهم يمثلون نسبة كبيرة تصل إلى (3) ثلاث ملايين معاق أي ما يعادل نسبة (10%) من عدد السكان لعام 2011 .
8- حرمان المواطنين في النواحي من المشاركة في الحياة السياسية بسبب إلغاء مجالس النواحي بموجب التعديل الثالث لقانون المحافظات غير المنظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل مع تقليص أعداد أعضاء مجالس المحافظات والاقضية، إذ أن تقليص أعضاء المجالس المحلية أمر محمود من جانب المشرع بسبب اخفاق هذه المجالس في انجاز مهامها، إلاّ أن حرمان سكان النواحي من حق الترشيح والانتخاب والتمثيل يمثل مساس بمبدأ المشاركة الذي يعتبر جوهر الديمقراطية المحلية، وكان بالامكان اللجوء إلى أسلوب دمج الوحدات المحلية الذي من شأنه تنمية المشاركة الشعبية إذ أن الميزة الايجابية في الوحدة المحلية الكبرى تتمثل في أن الاتجاهات والعادات والتقاليد عادة ما تكون مختلفة مما يسهل إجراء عملية الانتخابات وتتيح الفرصة أمام الاتجاهات المختلفة للتنافس بروح ديمقراطية وبالتالي تفادي ضعف أداء الوحدات المحلية الصغرى ومعالجة المشاكل المالية والبشرية والخدمية التي تعاني منها هذه الوحدات المحلية الصغرى ناهيك عن مزايا الاداء الاقتصادي وتحقيق العدالة في تقديم الخدمات.
إنَّ ما تم ذكره في النقاط السابقة هي مواطن الضعف التي تتعلق بالمشاركة باعتبارها جوهر الديمقراطية المحلية المباشرة والتي تحتاج لاصلاحها تشريعياً لضمان مشاركة حقيقة وفعالة، وفضلاً عما تقدم نجد ان قانون المحافظات غير المنظمة في إقليم وقانون الانتخابات الخاص بمجالس المحافظات والاقضية لم يتضمنا الاطر القانونية لمباشرة الديمقراطية المحلية شبه المباشرة كالاستفتاء المحلي ففي سويسرا مثلاً صار الاستفتاء المحلي من الاجراءات المتكررة والمعتادة حتى صارت التصويتات بحسب تعبير الباحث (Jean Husticq) يٌشكل جزءاً من الاوكسجين المدني لجيراننا ، والمبادأة الشعبية والتدخل المباشر في مجريات الحياة المحلية، والاعتراض الشعبي، والعزل الشعبي بتجريد الممثل المنتخب من وكالته القانونية وقبل انقضاء مدتها الشرعية والاستشارة كقناة تواصل مزدوجة بين السكان والمجلس المحلي.
الكاتب : د. أحمد طلال عبد الحميد البدري