رقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة في الظروف الإستثنائية - المرشد القانوني

رقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة في الظروف الإستثنائية

إن أعمال الإدارة في حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية لاتكون بمنجاة من الرقابة نظرًا للسلطات الإستثنائية الواسعة التي تتمتع بها في ظل هذه الظروف، ولضمان التأكد من تحقيق الهدف الذي منحت الإدارة لأجله تلك السلطات. وعلى الرغم من أهمية الرقابة التي يمارسها البرلمان عادة بسبب الوسائل والقدرات التشريعية التي تملكها الإدارة في تلك الظروف، كلوائح الضرورة والقرارات التي لها قوة القانون، التي بواسطتها تستأثر الإدارة بالوظيفة التشريعية المقررة للبرلمان، إلا أن الرقابة القضائية ورقابة القضاء الإداري تحديدًا تظل أكثر الرقابات فعالية وأبعدها أثرًا باعتبار أن ما تصدره الإدارة من أعمال قانونية في حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية لا يخرج عن كونه قرارات إدارية وإن اتسع نطاق أثرها.

وتنصب رقابة القضاء الإداري في حالة الضرورة والظروف الاستثنائية على العناصر الآتية :

1. تنصب رقابة القضاء الإداري على عنصر السبب أي التحقق من وجود حالة الضرورة أو الظرف الإستثنائي والتأكد من صحة الحالة الواقعية التي دفعت الإدارة إلى إستعمال سلطتها الإستثنائية.

2. كما تنصب الرقابة على التحقق من مبدأ التناسب بين الإجراء المتخذ والظرف الإستثنائي. وانتهى قضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى مراقبة عنصر الملاءمة في تصرف الإدارة ومدى تناسبه من حيث الشدة مع الظروف الإستثنائية، وبعكسه يلغى القرار الصادر عن الإدارة.

3. كما تنصب رقابة القضاء الإداري على عنصر الغاية في الإجراءات والقرارات الصادرة في الظروف الإستثنائية، وفي هذا الصدد يلاحظ أنه لا يكفي أن تكون الغاية هنا مجرد تحقيق مصلحة عامة بمعنى أن الإجراءات والقرارات الصادرة في حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية تخضع لمبدأ تخصيص الأهداف أي بقصد مواجهة الخطر القائم، فيراقب القضاء الإداري مدى وجود هذا الهدف الخاص في أعمال الإدارة الإستثنائية.

ونلخص مما تقدم إلى أن الإدارة لا تخرج عن نطاق المشروعية في ظل حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية، وإنما تظل خاضعة للقيود التي رسمها المشرع وللضوابط التي حددها القضاء بما يؤكد أن مبدأ المشروعية مبدأ قائم في جميع الظروف سواء العادية منها أو الإستثنائية، غاية الأمر أن نطاق المشروعية في حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية يتسع ليشمل القواعد والإجراءات الإستثنائية المقررة لمواجهة هذه الحالة أو تلك الظروف.

كما أن الإدارة لا تنتفي مسؤوليتها عن الأضرار الناجمة جراء مباشرتها لسلطاتها الإستثنائية لكن أساس المسؤولية الإدارية يتغير بشأنها، حيث تستند المسؤولية في هذه الحالة أو الظروف على أساس المخاطر أو تحمل التبعة لعدم جواز إقامتها على أساس الخطأ، لأن القرار المشروع لا يمكن إلغاؤه كما لا يجوز أن المسؤولية عنه تقرر على أساس الخطأ. ولا أدل على صحة ما تقدم أن القانون الوضعي في كل من فرنسا ومصر قد تكفل بتنظيم حالة الضرورة والظروف الإستثنائية تنظيمًا تشريعيًا.

ففي فرنسا فقد تولت عدة تشريعات تنظيم حالة الضرورة والظروف الإستثنائية من أهمها قانون الأحكام العرفية الصادر في 9 أغسطس (آب) سنة 1849 المعدل، وقانون حالة الاستعجال الصادر في 3 أبريل (نيسان) سنة 1955 المعدل، الذي وضع لمواجهة الظروف الإستثنائية الناشئة عن الاضطرابات في الجزائر.

وفي مصر فقد تولت عدة تشريعات تنظيم حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية منها، نظام لوائح الضرورة الذي نصت عليه المادة (41) من الدستور المصري لسنة 1923 وكذلك جميع الدساتير المتعاقبة، ونظام الأحكام العرفية الصادر سنة 1923 وتعديلاته والذي حل محله أخيرًا القانون رقم 162 لسنة 1958 مستبدلاً عبارة (الأحكام العرفية) بعبارة (حالة الطوارئ).

وفي العراق فقد وردت نظرية الظروف الإستثنائية لأول مرة في القانون الأساسي لسنة 1925، ثم تولى قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 بتعديلاته الكثيرة تنظيم حالة الطوارئ، فضلاً عن القوانين أخرى. وتنظم حالة الطوارئ الآن بالأمر التشريعي رقم 1 لسنة 2004 المسمى بأمر الدفاع عن السلامة الوطنية والصادر بموجب قانون إدارة الدولة العراقية. حيث تنص المادة (1) من الأمر المذكور على أن ((لرئيس الوزراء بعد موافقة هيئة الرئاسة بالإجماع إعلان حالة الطوارئ في أية منطقة في العراق عند تعرض الشعب العراقي لخطر حال جسيم يهدد الأفراد في حياتهم وناشئ عن حالة مستمرة للعنف من أي عدد من الأشخاص لمنع تشكيل حكومة واسعة التمثيل في العراق أو تعطيل المشاركة السياسية السلمية لكل العراقيين أو اي غرض آخر, ويظهر من النص المتقدم أن ضوابط إعلان حالة الطوارئ هي :

1. إعلان حالة الطوارئ من رئيس الوزراء ببيان يعلن بوسائل الإعلام المختلفة وينشر بالجريدة الرسمية.

2. إن يحدد النطاق المكاني لحالة الطوارئ, وفيما إذا كان يشمل كل البلاد أو جزء منها.

3. إن تحدد مدة حالة الطوارئ إبتداءً وانتهاءً على أن لا تزيد عن (60)  يومًا أو بزوال الظرف الطارئ أيهما أقل.

4. جواز تمديد حالة الطوارئ بصورة دورية كل (30) يومًا.

5. ضرورة موافقة مجلس النواب على إعلان حالة الطوارئ.


- الكتاب : القضاء الإداري.
- المؤلف : د. وسام صبار العاني.
- الصفحة :  53 - 56.

اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً