نظرية حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية في القضاء الإداري - المرشد القانوني

نظرية حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية في القضاء الإداري

الأصل أنه ينبغي على الإدارة الالتزام بالقواعد القانونية في كل الأوقات والأحوال وفقًا لمبدأ المشروعية, ولكن هذا المفهوم وإن كان صالحًا في الأوقات والظروف الطبيعية, إلا أنه يبدو صعب التطبيق في أوقات الأزمات أو الاضطرابات أو في احوال الخطر, إذ يترتب على تقييد الإدارة خلالها بالمفهوم المطلق للمشروعية تعريض سلامة الدولة لمخاطر شديدة تعصف بوجودها وقد تؤدي إلى انهيارها وبكل ما حرص مبدأ المشروعية ذاته على المحافظة عليه.
ذلك أن القوانين والتنظيم اللائحي إنما وضعت لكي تطبق في الظروف العادية, وعليه فإن الدولة تملك الخروج على القواعد القانونية في حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية التي تتطلب السرعة والحزم في التصرف, ففي مثل هذه الحالة أو الظروف لابد أن توسع الإدارة من اختصاصات عمالها حتى وأن خرجت هذه الاختصاصات الجديدة عن الضوابط المقررة في القوانين القائمة, أو بعبارة أخرى كان لابد أن يتوسع مبدأ المشروعية ليشمل هذه الحالة أو الظرف الإستثنائي وبالشكل الذي يمكن الإدارة من التصرف بقدر من الحرية ومنحها بعض السلطات الخاصة على النحو الذي وإن كان يتعارض مع قواعد المشروعية العادية, إلا أنه يظل مع ذلك أمرًا قانونيًا ومشروعًا في إطار ما يمكن أن نسميه بالمشروعية الإستثنائية, ذلك أن سلامة الشعب والدولة هي القانون الأعلى الذي يجب أن يسمو على جميع القوانين الوضعية.

ونظرًا لخطورة السلطات التي تتمتع بها الإدارة في ظل حالة الضرورة أو الظروف الإستثنائية, لما يترتب عليها من مساس بحقوق الأفراد وحرياتهم, فقد أستقر القضاء الفرنسي على تطلب شروط معينة يجب أن تتوافر حتى تمارس الإدارة هذه السلطات الخطيرة وهي:

1- وجود خطر يهدد سلامة الدولة, كأن تتعرض البلاد لخطر داهم بسبب غزو خارجي أو إضطرابات داخلية تخل بالأمن إخلالاً شديدًا أو بسبب حدوث فيضان أو انتشار وباء ونحو ذلك. ويشترط بالخطر أن يكون جسيمًا, وأن يخرج على الأقل عن إطار المخاطر المتوقعة أو المعتادة في حياة الدولة, ويشترط كذلك أن يكون الخطر حالاً أو محدقًا بمعنى أن لا يكون مستقبلاً أو أنه قد وقع وانتهى فالخطر الحال هو الذي يكون على وشك الوقوع أو الذي يكون قد بدأ فعلاً ولم ينته بعد. كما أن الخطر يجب أن يكون حقيقيًا, فالخطر الوهمي الذي ينشأ في ذهن أو تصور الإدارة لوحدها, دون أن يكون مبني على أسباب معقولة, لا ينتج أثره في إعمال أحكام نظرية الضرورة أو الظروف الاستثنائية.

2- استحالة مواجهة الظروف الاستثنائية بإتباع أحكام وإجراءات القواعد القانونية القائمة والمقررة للظروف العادية. فيجب أن تكون الإدارة مضطرة إلى التصرف بشكل استثنائي, وأن تكون الإجراءات التي تتخذها هي ما تستدعيها الضرورة القصوى, فإذا وجدت وسيلة قانونية أو دستورية لمواجهة المخاطر التي تهدد سلامة الدولة فيجب اللجوء إليها, أما إذا كانت تلك الأحكام والإجراءات القانونية القائمة عاجزة عن مواجهة تلك المخاطر يصبح اللجوء إلى تطبيق نظرية الضرورة أو الظروف الإستثنائية أمر لابد منه.

3- تناسب الإجراء المتخذ مع حالة الضرورة أو الظرف الاستثنائي, فيجب أن تكون الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها الإدارة بقدر ما تتطلبه الضرورة وفي حدود ما تقتضية فحسب, فلا يجوز للإدارة أن تتجاوز ذلك وتستأثر بالسلطة أو تتعسف في استعمالها, إذ لا يجب أن يضحى بمصالح الأفراد وإن كان ذلك في سبيل المصلحة العامة إلا بالقدر الذي تقتضية الضرورة, فعلى الإدارة أن تراعي الحرص والحذر وتختار أنسب الوسائل وأقلها ضررًا بالأفراد للوصول إلى تحقيق الهدف المطلوب المتمثل في المحافظة على سلامة الدولة بمواجهة الظروف الاستثنائية التي تهددها وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها الإعتيادية.

4- إنتهاء سلطة الإدارة الاستثنائية بنتهاء حالة الضرورة أو الظرف الاستثنائي, إذ يقتصر أثر الظرف الإستثنائي على الفترة الزمنية التي يقوم فيها ذلك الظرف فلا يمتد إلى ما انتهائها, فزوال الضرورة أو الظرف الاستثنائي يوجب على الإدارة إتباع قواعد المشروعية العادية, فالسلطة الإستثنائية للإدارة مقترنة بالظرف الاستثنائي وتدور معه وجودًا وعدمًا.

هذا وترتب على إعمال أحكام حالة الضرورة والظروف الإستثنائية نتائج عدة, أهمها :
1- تملك الإدارة الخروج على أحكام القوانين العادية التي تلزم بالخضوع لها, واحترام قواعدها في الظروف العادية فتستطيع أن توقف تطبيقها وأن تعدلها وأن تلغيها عن طريق أنظمة أو لوائح الضرورة أو بواسطة القرارات التي لها قوة القانون, وما تصدره بهذا الشأن يعد مشروعًا.

2- لكن إعمال نظرية الضرورة أو الظروف الإستثنائية لا يؤدي إلى النتيجة السابقة أي مشروعية أعمال الإدارة التي كانت تعد غير مشروعة لو أنها صدرت في ظروف عادية إلا بالقدر الذي الذي تتطلبه الضرورة أو الظروف الإستثنائية, فإذا ثبت  أن الإدارة كانت تستطيع بصدد تصرف أو إجراء معين أن تتبع أحكام القوانين العادية ولم تفعل, كان هذا التصرف أو الإجراء باطلاً.

- الكتاب : القضاء الإداري.
- المؤلف : د. وسام صبار العاني.
- الصفحة : 49 - 53.

اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً