الرقابة الإدارية كأحدى ضمانات تحقيق وحماية مبدأ المشروعية - المرشد القانوني

الرقابة الإدارية كأحدى ضمانات تحقيق وحماية مبدأ المشروعية

 إن الرقابة الإدارية هي رقابة ذاتية, حيث تتولى الإدارة بموجبها مراقبة نفسها بنفسها, لذلك فهي تساعد الإدارة على تلافي أسباب القصور فيما يعتري أعمالها وأنشطتها سواء في مواجهة موظفيها أو في مواجهة الأفراد الذين يتعاملون معها. ويتفوق هذا النوع من الرقابة في الأثر على الرقابة السياسية لأن الإدارة بواسطتها تسطتيع إصلاح أخطائها عن طريق سحب أعمالها أو تعديلها أو إلغائها, وذلك في إطار مبدأ المشروعية, أو في إطار ما يحكم العمل الإداري من إجراءات وقواعد ونظم قانونية.

وتباشر الإدارة هذه الرقابة من تلقاء نفسها, بقصد تحقيق مصلحة الإدارة نفسها وتعرف بالرقابة التلقائية, وقد تباشر الإدارة هذه الرقابة بناء على تظلم ذوي الشأن من الأفراد وتعرف في هذه الحالة بالرقابة بناءً على تظلم, ويسمى هذا (التظلم الإداري) تمييزًا له عن التظلم القانوني الذي يرفعه الأفراد إلى جهات القضاء في صورة دعوى.


اولاً/ الرقابة الإدارية الذاتية:

إن الإدارة ملزمة بإحترام قواعد المشروعية في حدود نشاطها, ولهذا فإن تصحيح ما تقع فيه من أخطاء وتجاوزات يشكل واجبًا عليها, لضمان المحافظة على حسن سير المرافق العامة بإنتظام واطراد, وكفالة تنفيذ القوانين والانظمة وإحترام حدودها, وضمان نزاهة العاملين لديها.

ولذلك تستطيع الإدارة القيام بمراجعة قراراتها من قبلها مباشرة دون وجود شكوى أو اعتراض من الغير تجاهها, ومن ثم تستطيع سحب هذه القرارات أو تعديلها أو إلغائها. وقد يمارس هذه الرقابة الرؤساء الإداريون على مرؤوسيهم وتعرف بالرقابة الرئاسية, وقد تمارس هذه الرقابة الجهة مصدرة القرار على ذاتها وتعرف بالرقابة الولائية, وقد تُعهد بعض الأنظمة أمر هذه الرقابة إلى جهة أو هيئة إدارية مستقلة وقائمة بذاتها, كالجهاز المركزي للتعبئة والجهاز المركزي للمحاسبات والجهاز المركزي للتنظيم الإداري في مصر, وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة حاليًا في العراق. 

وقد تكون هذه الرقابة سابقة على العمل الإداري; إذ يملك الرئيس الإداري الحق في توجيه مرؤوسيه وإرشادهم فيما يصدره إليهم من أوامر وتعليمات ومنشورات يلتزم المرؤوسين بإحترامها وتطبيقها. كما يمكن أن تكون هذه الرقابة لاحقة حين تتضمن السلطة الرئاسية حق مراقبة أعمال المرؤوسين والتعقيب عليها بعد صدورها.

ويختلف مدى هذه الرقابة بإختلاف النظام الإداري الذي تأخذ به الدولة, فهي قوية واسعة النطاق في الدول التي تأخذ بنظام الإدارة المركزية, في حين أنها ضعيفة محدودة في الدول التي تأخذ بالنظام اللامركزي. وفي ظل النظام الأخير تمارس السلطة الإدارية المركزية على الهيئات اللامركزية الإقليمية والمرفقية ما يعرف بالوصاية الإدارية التي تنبسط على اشخاص أعضاء الهيئات اللامركزية كما تمتد إلى أعمالها وقراراتها.


ثانيًا/ الرقابة الإدارية بناءً على تظلم:

هذا النوع من الرقابة لا يجري إلا بناءً على تظلم إداري يقدمه صاحب العلاقة, وفي هذه الحالة تتولى الإدارة بنفسها مراجعة تصرفاتها الصادرة عنها. والتظلم الإداري قد يقدمه صاحب المصلحة إلى الجهة الإدارية نفسها وهو ما يعرف بالتظلم الولائي, أو يقدمه إلى الرئيس الإداري المباشر وهو ما يعرف بالتظلم الرئاسي.

فالتظلم الولائي بموجبه يتقدم المتضرر من القرار إلى من أصدره طالبًا منه إعادة النظر فيه وإزالة ما لحقه جراء هذا القرار من ضرر أو إجحاف, بعد أن يبين الخطأ الذي يعتريه, فيعمد متخذ القرار إلى سحب قراره أو تعديله أو استبداله بغيره, كما أن بإستطاعة متخذ القرار التزام الصمت, ويستطيع الفرد المتضرر أن يتقدم بهذا النوع من التظلم لأكثر من مرة إذ لا يوجد ما يحدد ممارسته بعدد من المرات. أما في حالة التظلم الرئاسي, فإن التظلم يقدم إلى الرئيس الإداري للموظف الذي أصدر القرار, لأن الرئيس الإداري يتمتع بسلطة حقيقية على أعمال المرؤوسين, وهو الذي يعطي الأوامر والتعليمات ومن ثم فأنه يستطيع تعديلها أو إلغائها, كما أن له في أحوال معينة أن يحل نفسه محل مرؤوسيه فيتخذ القرار عنهم.

وقد يجعل القانون مهمة النظر في التظلم إلى لجنة معينة, فيقدم حينذ صاحب الشأن تظلمه إلى هذه اللجنة, والتي تقوم بفحص التظلم وإصدار قرارها بشأنه إما بتأييده أو تعديله أو إلغائه. وطريقة اللجنة هي أفضل من الطريقتين السابقتين, لأنها تمثل ضمانة أكثر فاعلية في بحث صحة القرارات المتظلم منها فضلاً عن كونها تمثل أسلوبًا وسطًا أو حلقة إتصال بين إلادارة القضائية ونظام المحاكم الإدارية, فضلاً عن أن هذه اللجان المختصة في فحص التظلمات, تشكل عادة من عناصر تتصف بالخبرة والكفاءة.

والتظلم الإداري بأنواعه قد يكون اختياريًا وقد يكون إلزاميًا أي إجباريًا, والأصل في التظلم أن يكون اختياريًا بمعنى أن يكون لصاحب الشأن الحرية في أن يتقدم إلى جهة الإدارة بالتظلم أو أن يتجه مباشرة ليطرق باب الطعن القضائي. لكن المشرع قد يجعل التظلم إلزاميًا فيلزم الفرد بتقديمه إلى جهة الإدارة قبل مباشرة الطريق القضائي, فيكون التظلم في هذه الحالة شرطًا لقبول الدعوى القضائية إن لم تستجيب الإدارة لمطالب المتظلم, ومع لزوم أن يلتزم المتظلم بمواعيد الطعن القضائي والإجراءات المنصوص عليها قانونًا.


ومما يتقدم يتضح ما للرقابة الإدارية من مزايا مهمة, في مقدمتها ما تمتاز به هذه الرقابة من سهولة ويسر, ويمكن مباشرتها من الأفراد لتجنب إجراءات التقاضي بتعقيداتها ونفقاتها, كما أنها تمتاز بسعة نطاقها فهي تشمل المشروعية والملائمة, فضلاً عن أن الرقابة الإدارية يمكن أن تباشر بناءً على تظلم أو تلقائيًا من جانب الإدارة.

إلا أنه بالرغم من المزايا المتقدمة للرقابة الإدارية, فإنها غير كافية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم ودفع تجاوزات الإدارة عنهم, لأنها رقابة ذاتية وليست رقابة من جهة أو هيئة مستقلة محايدة, فهي تضع الإدارة في مركز الخصم والحكم في آن واحد سواء كانت في صورتها الولائية أم في صورتها الرئاسية.

ومع ذلك تبقى هذه الرقابة موجودة في الحياة العملية, وشكلت مرحلة مهمة في تأريخ الرقابة على أعمال الإدارة في عدة أنظمة, كما هو الحال في فرنسا التي عرفت نظام الإدارة القاضية الذي ظل سائدًا منذ عام 1792 وحتى عام 1872 حين منح مجلس الدولة الفرنسي صلاحية الحكم القضائي المطلق, بل ظلت موجودة حتى الآن إلى جانب رقابة القضاء وتمارس دورها كلما جعل المشرع أمر التظلم الوجوبي شرطًا سابقًا لقبول دعاوى الإلغاء أمام القضاء الإداري.


- الكتاب : القضاء الإداري.
- المؤلف : د. وسام صبار العاني.
- الصفحة : 76 - 81.
اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً