تقع على عاتق الإدارة أو السلطة التنفيذية بشكل عام مهمة تحقيق الصالح العام وإشباع الحاجات العامة للجمهور، ولكي تتمكن الإدارة من الوفاء بالتزاماتها هذه تمارس وسائل وأساليب متنوعة يطلق عليها أعمال الإدارة، ومن بين هذه الأعمال؛ القرارات الإدارية التنظيمية التي تصدرها جهة الإدارة، أو ما يعرف بالأنظمة أو اللوائح بأنواعها المتعددة التنفيذية والمستقلة، كأنظمة إنشاء وترتيب المرافق العامة وأنظمة الضبط، فضلاً عن الأنظمة التي تصدرها الإدارة في حالة الضرورة وكذلك الأنظمة التفويضية.
وجاء أول نص يتضمن حق السلطة التنفيذية بوضع الأنظمة (اللوائح)، في دستور السنة الثانية للثورة الفرنسية، إذ نصت المادة (44) منه على أن ((تقترح الحكومة القوانين وتضع اللوائح اللازمة لضمان تنفيذها)). ثم عرف هذا الحق طريقة إلى الدساتير الفرنسية المتعاقبة، فلم يكد يخلو دستور منها من النص عليه، كالمادة (14) من دستور سنة 1814، والمادة (13) من دستور سنة 1830، والمادة (49) من دستور سنة 1848، والمادة (6) من دستور سنة 1852، والمادة (12) من دستور الجمهورية الخامسة الحالي لسنة 1958.
وتعد الأنظمة قرارات إدارية طبقًا للمعيار الشكلي كونها تصدر من السلطة التنفيذية الإدارية، إلا أنها طبقًا للمعيار الموضوعي تعد عملاً تشريعًا صادرًا عن السلطة التنفيذية نظرًا لتضمنها قواعد عامة مجردة تطبق على عدد غير محدد من الأفراد أو الجماعات. ولا شك أن هذه القواعد تتصف بالإلزام باعتبارها عملاً قانونيًا يعبر عن إرادة الإدارة في أحداث أثر قانوني أو تعديل في المراكز القانونية، ولذلك تعد عنصرًا من عناصر البناء القانوني للدولة، ومصدرًا من مصادر المشروعية.
والإدارة تلتزم بإحترام ما تضمنته الأنظمة من قواعد قانونية كونها الإدارة هي الواضعة لها ومن ثم فلا يجوز لها الخروج عليها أو مخالفتها بقرارات إدارية فردية. حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار إداري فردي صدر على أثر تعديل لائحة وتطبيقًا لهذه اللائحة بعد تعديلها، مستندًا إلى أن التعديل لم يتم إلا تحقيقًا لغاية بعيدة عن الصالح العام وهي إصدار القرار الفردي محل الطعن.
ولا شك أن السلطة أو الهيئة التي أصدرت اللائحة تملك تعديلها أو إلغائها في كل وقت، ولكنها تلتزم بالخضوع لأحكامها طالما اللائحة باقية.