العلم ودوره في تكوين شخصية المحامي - المرشد القانوني

العلم ودوره في تكوين شخصية المحامي

 يعتبر العلم من أهم مقومات مهنة المحاماة فهو المقوم الأكاديمي لمهنة المحاماة، فالعلم هو الركن الأكاديمي الذي تقوم عليه مهنة المحاماة، ويقصد به "مجموعة القواعد والمعلومات أو المعارف القانونية بصفة خاصة أو غير القانونية بصفة عامة والتي يجب أن يتزود بها المحامي، منها ما اتصل منها بالشروط والمقومات الموضوعية للحقوق أو المصالح أو المراكز القانونية محل النزاع بين الخصوم، أو ما اتصل بالشروط والمقومات الإجرائية الخاصة بوسائل الحماية القضائية والحكم المنهي للنزاع. وباعتبار أن هذه القواعد والمعلومات أو المعارف شيء ما تقوم وتعتمد عليه كل أعمال المحاماة في تطبيقاتها المتنوعة بلا حدود، سواء منها ما يطلب فيه مجرد إبداء الرأي القانوني من المحامي، أو ما يطلب فيه تمثيل الخصم أمام المحاكم أو أية جهة قضائية أو غير قضائية لغرض الدفاع عن موكله وطلباته والرد على مزاعم ودفاع خصمه موثقة ومؤيدة ما يقدمه أو يعرضه المحامي بأدلة وأسانيد قانونية وواقعية متنوعة، بقصد التأثير في قناعة المحكمة أو الجهة القضائية أو غير القضائية المعروض أمامها النزاع ووصولاً للحكم بطلبات الموكل وحسم النزاع لصالحه.


الحقائق المستخلصة من التعريف : يمكن أن نستخلص من تعريف العلم كأحد مقومات مهنة المحاماة الحقائق التالية :

1. أن العلم هو الركن الأكاديمي الذي تقوم عليه مهنة المحاماة وكل ما يؤديه المحامي من أعمال، فكل خطواته وما يقوم به من إجراءات محكومة بقواعد علمية مقننة وهذه القواعد لا غنى عنها بل هي ضرورية ضرورة الماء والهواء للحياة.


2. أن العلم هو في حقيقة وواقع الأمر مجموعة من القواعد والمعلومات أو المعارف أيًا كان مصدرها، فقد تكون هذه القواعد أو المعلومات والمعارف (قانونية) وهذا هو الأهم والأولى أن يتزود به المحامي، وقد تكون (غير قانونية) أي تابعة لعلوم أخرى سواء أكانت علوم طبيعية مثل الفيزياء أو علوم اجتماعية مثل التاريخ والإجتماع أو غيرها والعلوم القانونية متنوعة من حيث موضوعاتها أو من حيث طبيعتها، ومن أهم القوانين التي يتعامل معها المحامي، القانون المدني والقانون التجاري والقانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية والقوانين الاقتصادية وقانون المرافعات المدنية والتجارية، وقانون الإثبات، وقانون الإجراءات الجنائية وغيرها. ويلزم أن يكون المحامي على علم كاف بهذه القوانين، ويدون القدر الكافي من العلم بها، ومن دون الإلمام في هذه القوانين فإنه لا يمكن أن يمارس أعمال المحاماة، فالقواعد القانونية هي التي تتضمن الحلول الصحيحة لكل المشاكل والنزاعات التي تعرض على المحامي، وبدون معرفة هذه القواعد فإن المحامي يضل الطريق تمامًا، ويكون مثل غيره من عامة الناس الذين يلجؤون إليه في إيجاد الحلول والحصول على الحقوق الضائعة، والمحامي في قيامه بعمله في حاجة إلى علوم أخرى خلاف العلوم القانونية، مثل علم النفس، وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد والتاريخ وغيرها، فالقانون هو العلم الذي تخصص فيه المحامي، وفوق ذلك توجد علوم الثقافة التي يجب أن يتزود منها المحامي بالقدر الذي يعينه على أداء رسالته بدرجة عالية من الإتقان والجودة وذلك ليكون متميزا عن غيره من أقرانه.


3. إن مجموعة القواعد القانونية التي يجب أن يعلم ويتزود بها المحامي على نوعين النوع الأول قواعد موضوعية والنوع الثاني قواعد إجرائية ولابد أن يكون المحامي على علم تام بنوعي القواعد؛ فأما عن القواعد القانونية الموضوعية فإنها ترد في النصوص القانونية التي تبين الشروط أو الموضوعات الموضوعية للحق أو المصلحة بحيث إذا طالب شخص بحق ما أو طلب حماية مصلحة ما، فإنه يلزم أن تتوافر لهذا الشخص الشروط التي تطلبها المشرع في الحق المطالب به أو المصلحة المراد حمايتها. فعلى سبيل المثال لو أن شخصًا كان يحوز منزلا، وتعدى عليه شخص آخر وطرده من هذا المنزل، واغتصب هو الحيازة، فلو أراد الشخص الذي اعتدى على حيازته الالتجاء إلى القضاء، ففي هذه الحالة يجب الرجوع إلى نصوص القانون التي تقرر الشروط الموضوعية للحقوق، وذلك سواء أكان المحامي عن المدعي، فإنه لابد أن يعلم بهذه القواعد قبل رفع الدعوى، حتى يقوم بإعداد العريضة ويضمن في هذه العريضة كل ما يؤيد أنه صاحب حق في الحيازة وأن المدعى عليه هو المعتدي الذي اغتصب حيازتهم، والأمر ذاته بالنسبة للمحامي الذي يمثل المدعى عليه فإنه يلزم كذلك وحتى يقدم دفاعه في الدعوى أن يكون على علم بالشروط التي وردت في نصوص القانون السابق بيانها ليقوم بإعداد دفاعه في ضوء ما يتبين له من قائع، فقد يكون قد مضى أكثر من سنة على فقد الحيازة، وهنا يمكن أن يدفع محامي المدعى عليه بسقوط الحق في رفع الدعوى. والأمر نفسه بالنسبة لمحامي المدعى عليه إذ يلزم أن يكون عالمًا بشروط الأخذ بالشفعة، حتى يمكن الرد على الدعوى، فقد يتبين له عدم توافر هذه الشروط ... وهكذا. 

وأما عن القواعد القانونية الإجرائية فهي القواعد الخاصة بالوسائل التي عن طريقها يحصل الشخص على حقه عن طريق الالتجاء إلى القضاء والإجراءات التي تمر أو تخضع لها هذه الوسائل، وأهم هذه الوسائل الدعوى أو أمر الأداء أو الأمر على عريضة .. إلى غير ذلك وهذا النوع من القواعد ورد في قانون المرافعات المدينة المدنية والتجارية، حيث وردت القواعد القانونية التي تنظم إعداد عريضة الدعوى وقيدها والحضور أمام المحكمة والمرافعة والحكم في الدعوى، والطعن في الأحكام. وقواعد وإجراءات التنفيذ، ويلزم أن يعلم المحامي بكل هذه القواعد، سواء أكان المحامي يمثل المدعي أو يمثل المدعى عليه.


4. أن كل أعمال المحاماة المتنوعة وغير المحدودة تقوم وتعتمد على القواعد القانونية سواء أكانت الموضوعية أو الإجرائية. فقد أشار التعريف إلى أن أعمال المحاماة متعددة لا حصر لها، وأن كل هذه الأعمال تقوم وتعتمد على نوعية القواعد القانونية، ولقد أشار التعريف إلى بعض أعمال المحاماة فذكر منها :

أ‌- ما يطلب فيه مجرد الرأي من المحامي، وفي هذه إشارة إلى الإستشارات القانونية باعتبارها عملا من أعمال المحاماة. 

ب‌- ما يطلب فيه تمثيل الخصم أمام المحاكم وذلك إشارة على التقاضي أمام أية درجة من درجات التقاضي وأمام أية محكمة من المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها. بمعنى تمثيل الخصم أمام أية جهة قضائية أو غير فضائية، وفي ذلك إشارة إلى أن أعمال المحاماة لا تقف فقط عند تمثيل الخصوم أمام المحاكم، ولكنها تمتد أيضا لتشمل تمثيلهم أمام أية جهة قضائية أو غير قضائية، والمحامي وفي قيامه بكل أعمال مهنة المحامي يلزم أن يكون ملمًا بالقواعد القانونية التي تؤهله لما يقوم به من أعمال أو إجراءات.


5. أن العلم بالقواعد القانونية الموضوعية والإجرائية ضروري لكل محامي، سواء أكان ممثلاً للمدعي أو ممثلاً للمدعى عليه، فإذا كان المحامي يمثل المدعي فهو يقوم مثلاً بإعداد عريضة الدعوى، أو إعداد مذكرة أو طلب يقدمه لأية جهة قضائية أو غير قضائية، وفي كل هذه الأحوال لابد أن يكون المحامي على علم بالقواعد القانونية على الأقل المتصلة بالعمل أو الإجراء الذي يؤديه، والأمر ذاته بالنسبة لمحامي المدعى عليه، فإنه يقوم بالرد على صحيفة الدعوى ويحاول الرد على ما قدمه المدعي من أدلة وأسانيد حتى لا يقضي له بما يطلبه، وكل ذلك يستوجب أن يكون المحامي على دراية كاملة وكافية بالقواعد القانونية التي تحكم موضوع النزاع.


6. أن ما يقوم به المحامي من أعمال سواء بالنسبة للإستشارات القانونية أو إعداد عرائض الدعاوى والطعون أو مذكرات الدفاع يلزم أن يكون موثقًا ومؤيدة بأنواع ثلاثة من الأسانيد وهي :

- الأسانيد القانونية: وهي عبارة عن القواعد القانونية التي يستند إليها المحامي في تأييد دفاعه أو دفوعه الذي يقدمه حتى يكون جديرًا بثقة وإحترام المحكمة.

- الأسانيد القضائية: وهي عبارة عن أحكام محكمة النقض التي صدرت في قضايا مماثلة أو مشابهة للقضية محل النزاع، ويقدم المحامي بعض الأحكام باعتبارها سوابق قضائية تؤيد دفاعه ووجهة نظره. 

- الأسانيد الفقهية: ويقصد بها آراء الفقه في بعض المسائل التي يثيرها موضع الدعوى إن كان ذلك ضرورية وفي بعض الحالات.


7. إن تأييد المحامي وتوثيق ما يقدمه من دفاع ودفوع بأدلة وأسانيد قانونية وقضائية وفقهية متعددة له بالغ الأثر على القوة الإقناعية لما يقدمه، وهو يدل بيقين على جدية المحامي في دفاعه وإيمانه بالحق الذي يتولى الدفاع عنه، وهو بدوره يكون له نتيجة شبه مؤكدة في التأثير على قناعة المحكمة واعتقادها بصحة الدفاع المقدم من قبل المحامي وبأن طلباته تقوم على سند من القانون والواقع، فتقضي له بطلباته، وبذلك يحقق الغاية المنشودة. 


العلم إذن، هو المقوم الأساسي من مقومات مهنة المحاماة، ولا محاماة بدون علم فالعلم يعني القانون، والمحاماة هي في حقيقة الأمر دفاع ودفوع وطلبات وهذه جميعها يحددها وينظمها ويحكمها القانون، ومن ثم فلا يتصور أن يمارس المحاماة من يجهل القانون أو حتى من لا يعلم بقواعده العلم الكافي.


- المصدر : موسوعة مقومات التميز والكفاءة.

- المؤلف : د. كمال عبد الواحد الجوهري.

- الصفحة : 51 - 56.

اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً