جريمة الإضرار بالمصلحة العامة للحصول على منفعة في القانون العراقي - المرشد القانوني

جريمة الإضرار بالمصلحة العامة للحصول على منفعة في القانون العراقي

نصت المادة (318) من قانون العقوبات العراقي على إنه (كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عهدت إليه المحافظة على مصلحة الجهة التي يعمل فيها في صفة أو قضية, فأضر بسوء نية أو تسبب في الإضرار لهذه المصلحة ليحصل على منفعة لنفسه أو لغيره) يتضح من هذا النص متطلبات تحقق هذه الجريمة ومتطلبات تحقق المسؤولية الجزائية عنها.

المتطلبات الموضوعية

إن جوهر هذه الجريمة تقوم على استغلال الموظف أو من في حكمه للوظيفة العامة وإلحاق الضرر بالمصلحة التي عهد إليه المحافظة عليها من أجل الحصول على منفعة لنفسه أو لغيره, وبذلك فإنه علة التجريم تتمثل في المحافظة على المصلحة العامة, إذ إن الموظف سيجمع بين صفتين في وقت واحد لا يجوز الجمع بينهما, فيجتمع فيه شخص الرقيب والخاضع للرقابة وهذا الجمع من شأنه إهدار المصلحة العامة لأنه سيحابى مصلحته على حساب المصلحة العامة مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصلحة التي كلف بالمحافظة عليها, لذلك تدخل المشرع بتجريم هذا السلوك والمعاقبة عليه بموجب نص المادة (318) من قانون العقوبات وهذا تتحقق هذه الجريمة بتوافر متطلبات معينة منها صفة الفاعل وماديات الجريمة.

أولاً: صفة الفاعل

إن هذ الجريمة لا تتحقق إلا إذا كان الفاعل بصفة موظف أو مكلف بخدمة عامة, أما الغير يعد شريكا في الجريمة وذلك تطبيقًا للقواعد العامة في قانون العقوبات, ويقتضي توافر هذه الصفة وقت ارتكاب الجريمة, أي وقت الحصول على المنفعة أو الفائدة أو محاولة الحصول عليها حتى ولو ترك اختصاصه الوظيفي بعد ذلك, وعليه لا أهمية لنوع العمل المكلف به الموظف أو المكلف سواء أكان من أعمال الإدارة أو التنفيذ أو الإشراف ما دام صفته أو نوع الوظيفة كانت السبب في أن يعهد إليه بالمحافظة على أموال أو مصلحة للجهة التي يعمل فيها في صفقة أو قضية, ويستوي في ذلك أن يتمثل العمل في تصرف قانوني كإبرام عقد بيع أو شراء أو إيجار أو استئجار أو مقايضة أم التفاوض بشأن من شؤونها, أو يتمثل في عمل مادي كصناعة شيء أو حفر قناة أو إنشاء بناية, أو يتمثل في عمل قضائي كالمرافعة في دعوى أو تنفيذ حكم محكمة وعلى أساس ما تقدم فإنه لا تسري أحكام م(318) من قانون العقوبات على الموظف أو المكلف الذي يعهد إليه بالمحافظة على مصلحة لفرد عادي أو لهيئة خاصة, فيضر عمدا بهذه المصلحة ليحصل على منفعة لنفسه أو لغيره.

ثانيًا: نشاط الجاني

تتحقق هذه الجريمة بكل نشاط يقوم به الموظف أو المكلف ليحصل به على منفعة أو فائدة من اعمال وظيفته, أي من وراء العمل الذي يؤديه ألا وهو المحافظة على أموال أو على أية مصلحة تعود للجهة التي يعمل لديها في صفقة أو قضية, كأن تكون عملية بيع أو شراء أو صنع أو إيجار أو استئجار, وساء كانت المنفعة التي يحصل عليها مادية أو معنوية, وسواء كانت لشخص الموظف أو المكلف أو لغيره, وسواء حصل عليها اثناء مباشرة العمل أو بعد انتهاء العمل, بل أن الجريمة تحقق حتى ولو لم يحصل الفاعل جراء نشاطه على أي نفع وإنما يكفي مجرد عزمه على الحصول على المنفعة, وهذا ما يؤكده نص المادة 318 من قانون العقوبات بعبارة (ليحصل على منفعة لنفسه أو لغيره).

ولكن يشترط لتحقق الجريمة حصول ضرر فعلي أو أن يتسبب الموظف في ذلك الضرر من جراء فعله, أي يصيب مصلحة الجهة التي يعمل فيها بضرر والذي يكون من وراءه الحصول على منفعة للفاعل أو لغيره, ويكون الموظف أو المكلف بخدمة عامة متسببًا بالإضرار إذا لم يكن قد دقق في الكشف على المواد التي اشتراها أو عند استلامها مما ترتب عليه حصول ضرر للجهة التي يعمل فيها, هذا ويستوي أن يكون الضرر ماديًا يتمثل في جلب خسارة أو تفويت كسب مالي على الجهة صاحبة المصلحة, أو يكون معنويًا محضًا ينال من سمعة الجهة التي يعمل فيها ويضعف الثقة بها, كما لو تسلم سائق حافلة نقل الركاب التابعة لمصلحة نقل الركاب من المسافرين مبلغًا من النقود يزيد عن الأجرة المقررة ويحتفظ لنفسه بالزيادة.

ومن تطبيقات هذه الجريمة :

- اتفاق مهندس الدائرة مع المقاول على التلاعب في مواد البناء.

- تواطؤ موظف أو مكلف مع شخص على أن يكون الشيء المشترى أو المصنوع للدائرة أقل كمية أو أقل جودة من الكمية أو الجودة المقررة أو ببدل أكثر مما يجب دفعه.

- الاتفاق بين موظف أو مكلف مع شخص على أن يكون الشيء المباع بأقل أو أزيد من الكمية المقررة, أو الموافقة على تزييد ما يجب دفعة من قبل الدائرة أو تنقيص ما يجب قبضه من قبل الجهة التي يعمل فيها الموظف.

- أن يعهد إلى الممثل القانوني في إحدى الدوائر الحكومية بمباشرة قضية لدى المحكمة بأسم الدائرة فيتواطأ مع محامي الخصم على عدم تقديم ما لديه من دفوع ويترتب على ذلك أن تخسر الدائرة التي يمثلها دعواها.

إذًا يتضح مما تقدم إن النشاط المحقق لجريمة الإضرار بمصلحة عامة هو في الغالب نشاط إيجابي, وقد يكون النشاط سلبيًا يتمثل في تغافل الموظف أو المكلف من قبل دائرته بشراء مواد لها عن اجراء المناقصة اللازمة لذلك والواجب عليه إجراؤها, وفي كلتا الحالتين يمثل إخلال الموظف بواجبه في المحافظة على مصلحة الجهة التي يعمل فيها بشأن الصفقة أو القضية التي عهد إليه مباشرتها.

هذا وأن هذه الجريمة يمكن ان تقف عند حد الشروع, كما لو اتفق مهندس الدائرة مع مقاول على إقامة مباني بمواد رديئة والقي القبض على المهندس قبل استعماله هذه المواد في البناء, وكذلك في حالة أن يرتكب الجاني الفعل الذي من شأنه الإضرار بالمصلحة العامة وتوافر قصد الحلول على المنفعة وعلى الرغم من ذلك لا يتحقق الضرر.


المتطلبات المعنوية

إن جريمة الإضرار بمصلحة عامة من الجرائم العمدية, لذا فإن المسؤولية الجزائية عنها تتطلب توافر القصد الجرمي ولا يكفي القصد العام بل يلزم توافر القصد الخاص الذي يقوم على أساس من القصد العام الذي يتجسد في عنصري العلم والإرادة.

ففيما يخص العلم يتعين علم الفاعل بصفته كونه موظفًا أو مكلفًا بخدمة عامة, وعلمه بأنه مكلف بالمحافظة على المصلحة التي تعود للجهة التي يعمل لديها, كما يجب أن يعلم بأن سلوكه من شأنه الإضرار بالمصلحة وتحقيق المنفعة له أو لغيره سواء أكانت المنفعة اعتبارية أو نسبية, وعليه إذا انتفى العلم بأحد هذه الأمور ينتفي القصد ومن ثم تنتفي المسؤولية عن الجريمة.

أما بالنسبة للإرادة فينبغي اتجاه إرادة الموظف أو المكلف إلى الإضرار بالمصلحة التي عهدت إليه المحافظة عليها, وكذلك اتجاه إرادته إلى الحصول على المنفعة أو الفائدة من وراء الإضرار, وهذا يمثل القصد الجرمي الخاص, كأن يكون قصد الموظف أو المكلف تخفيف خسارة البائع للجهة التي يعمل لديها أو المشتري منها, أو المتقاول معها. وبناءا على ذلك ينتفي القصد وتنتفي المسؤولية عن الجريمة إذا كان الموظف أو المكلف يعتقد إن فعله يستهدف تحقيق المصلحة العامة, بمعنى إن إرادته لم تتجه إلى الحصول على منفعة, وإنما اتجهت فقط إلى الإضرار بالمصلحة, أو إذا لم تتجه إرادته إلى الإضرار بالمصلحة العامة ولو حصل من وراء فعله على منفعة ووقع ضرر بسبب إهمال الموظف أو بسبب نقص خبرته.


عقوبة الجريمة

نص المشرع على عقوبة جريمة الإضرار بمصلحة عامة في المادة 318 من قانون العقوبات العراقي وهي السجن, بمعنى السجن المؤقت. وبضاف إليها العقوبات المنصوص عليها في جريمة الاختلاس والمنصوص عليها في المادة 321 من قانون العقوبات العراقي, ويتضح من العقوبة المنصوص عليها إن هذه الجريمة هي من وصف الجناية.



ينظر: الأستاذ جمال إبراهيم الحيدري, شرح أحكام القسم الخاص من قانون العقوبات, بيروت, 2015,رقم الإيداع  دار الكتب والوثائق  ببغداد 1948, لسنة2013, ص(113-117).
اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً