تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (71/ اتحادية/ 2021) في 13/6/2021 والخاص بعدم دستورية انشاء محاكم خاصه في اقليم كردستان - المرشد القانوني

تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (71/ اتحادية/ 2021) في 13/6/2021 والخاص بعدم دستورية انشاء محاكم خاصه في اقليم كردستان

🖊 بقلم الدكتور أحمد طلال عبد الحميد البدري 

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا بتارخ 13/6/2021 قراراً في الدعوى المرقمة (71/اتحادية /2021) بعدم دستوريه انشاء محاكم استثنائية او خاصة في اقليم كردستان للنظر في جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب لمحاكمة مقاتلي داعش الارهابي، مع امكانية تعيين قضاة ومدعين عامين من غير العراقيين ولها سلطه اصدار احكام بالاعدام مع ولايه عامه على المواطنين العراقيين والاجانب، وسنحاول تناول هذا القرار وفق المحاور الاتية :

اولاً/ خلاصه الطلب: سبق وان طلبت وزارة الخارجية بموجب كتابها المرقم (9/6/تجريم داعش/2756) في 27/5/2021 من المحكمة الاتحادية العليا بيان الرأي بخصوص ما ورد بكتاب السفارة العراقية في واشنطن بالرقم (14) 10/5/2021 بشأن تقديم السلطات التشريعيه في اقليم كردستان مسودة قانون لانشاء محاكم مختصه بالابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب لمحاكمة مقاتلي داعش الارهابي الى البرلمان في الاقليم وبحسب المسودة فأن لهذه المحكمة سلطه تعيين قضاة ومدعين عامين غير عراقيين ولها سلطه فرض عقوبه الاعدام فضلاً عن ولايتها على المواطنين العراقيين والاجانب، وطلبت الوزارة بيان مدى تعارض انشاء هذه المحكمة مع المادة (95) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والتي نصت على ان (يحظر انشاء محاكم خاصه او استثنائية)، وقد تضمن كتاب السفارة العراقية في واشنطن بتداول مصادر صحفية معلومات مفادها تقديم السلطات التشريعية في اقليم كردستان مشروع قانون انشاء محكمة خاصه للاغراض سابقه الذكر تمارس سلطات واسعه على المواطنين والاجانب ، وان هنالك بعض بنود المسودة تسمح للعراق والمجتمع الدولي بتعويض ضحايا داعش وان الجزء الموضوعي من مسودة القانون مقتبسه من المواد (6،7،8) من نظام روما الاساسي والخاصه على التوالي بالمجازر والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب ومن القواعد الاجرائية للمحكمة الجنائية الدولية، وان هنالك محاولات لعدة دول اوربية وعلى رأسها هولندا لعدم رغبتها في استعادة رعايا من مقاتلي داعش او عائلاتهم المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطيه لانشاء محكمة دولية هجينه في بلد خارج الاتحاد الاوربي لمحاكمه رعاياهم وسجنهم فيها، وان العراق وشمال سوريا هي المناطق المرشحه لمقر هذه المحكمة وهذا يشكل تدعيات كبيرة للسيادة العراقية وولايه القضاء العراقي، كما شار كتاب السفارة العراقية الى موقف الولايات المتحدة الامريكية غير الداعم لفكرة انشاء محكمة دولية والتي ترى ان الحل الامثل والمستدام لمشكلة المقاتلين الارهابيين الاجانب وعوائلهم هو ترحيلهم إلى بلدانهم الاصلية مع ضمان المحاكمة واعادة التأهيل والاندماج.

 ثانياً/ خلاصه قرار المحكمة: قررت المحكمة الاتحادية العليا وبعد ان استطردت في سرد النتائج التي توصلت لها بعشر فقرات وردت في حيثيات قراراها الى الاتي (... ولكل ماتقدم قررت المحكمة الاتحادية العليا وبقدر تعلق الامر بطلب الدائرة القانونية في وزارة الخارجية المشار اليه  بكتابهم المرقم (9/6/جرائم داعش /2756) في 27/5/2021 ومرفقه كتاب سفارة جمهوريه العراق في واشنطن بالرقم (14) في 10/5/2021 المتضمن ( انشاء محكمة في اقليم كردستان وتعيين قضاة ومدعين من غير العراقيين)، ان انشاء محكمة في اقليم كردستان وتعيين قضاة ومدعين من غير العراقيين مخالف لاحكام المواد (87 و88 و90 و91 و95 و112/ اولاً) من دستور جمهوريه العراق لعام 2005، ولايعد ذلك نظراً من المحكمة الاتحادية العليا في مشروع قانون مقدم الى برلمان اقليم كردستان العراق لان البت في دستوريه مشاريع القوانين يخرج عن اختصاص هذه المحكمة، قراراً باتاً ملزماً للسلطات كافه صادر باكثرية سبعه اعضاء ومخالفه عضوين استناداً لاحكام المادة (93/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والمادة (5/ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (35) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 وافهم علناً بتاريخ 13/6/2021 .....).

ثالثاً/ التعليق: سنحاول التعليق على مضمون قرار المحكمة الاتحاديه اعلاه وفق المحاور الاتيه :

1. الجهة التي لها حق الطلب الاصلي بالتفسير: ان تفسير الدستور هو احد اختصاصات المحكمة الاتحادية المستحدثه بموجب المادة (93 / ثانياً) من دستور جمهوريه العراق لسنه 2005، حيث لم يرد النص على هذا الاختصاص في قانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بالامر التشريعي رقم (30) لسنة 2005 ولا في نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2005، وهذا يتطلب اعادة النظر باختصاصات المحكمة الاتحادية العليا في مجال التفسير وادراج اختصاص تفسير نصوص الدستور ضمن اختصاصاتها في قانونها ونظامها الدخلي، وبالفعل تم ادراج هذا الاختصاص بموجب قانون التعديل الاول لقانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (25) لسنه 2021 الا ان التعديل أغفل تحديد الجهات التي لها حق طلب التفسير, وكذلك نلاحظ ان الدستور لم يحدد الجهة المختصه بطلب التفسير, وكذلك خلا قانونها ونظامها الداخلي من اي نص ينظم الجهات التي لها حق تقديم طلب التفسير ، وازاء هذا القصور التشريعي حاولت المحكمة الاتحادية العليا سد هذا النقص من خلال بعض القرارات التي صدرت في بواكير تشكيلها فقبلت طلبات تفسير من مجلس النواب في رأيها المرقم (227/ت/2006) في 9/10/2006 ومن نائب رئيس الجمهورية  في رأيها المرقم (21/اتحادية/2007) في 26/9/2007، كما ذهبت المحكمة الاتحادية العليا بقرارها المرقم (34/اتحادية /2011) في 5/5/2011 الى تحديد الجهات التي تملك طلب التفسير واقرت المبدأ الاتي (ان طلب تفسير نصوص الدستور ينبغي ان يقدم اما من رئاسة الجمهورية او مجلس النواب او من مجلس الوزراء او الوزراء وليس من منظمات المجتمع المدني او الكتل السياسية والاحزاب)، وعززت هذا المبدأ بقرارها المرقم (29/اتحادية/2012) في 2/5/2012 وهو بذات المضمون، ان اختصاص تفسير الدستور من المحاكم العليا يعد اختصاصاً مهماً وخطيراً لانه يمس السلطه المنشأة (التأسيسية)، اذ لايجوز كاصل عام ان تقوم السلطه المشتقه بتفسير الدستور باعتباره صادراً من السلطه التأسيسية تفسيراً ملزماً للسلطات كافه، ذلك ان مثل هذا التفسير لايمكن ان يصدر الا بذات الاداة التي وضعت الدستور وبنفس الشكلية والاجراءات وهو امر مستقر في كل النظم القانونية تطبيقاً لمبدأ سمو الدستور وتدرج القواعد القانونية، ولذلك نجد ان قانون المحكمة الدستوريه العليا في مصر لم يمنح المحكمة الدستورية العليا مثل هذا الاختصاص الخطير وانما نصت المادة (26) من قانون المحكمة رقم (48) لسنة 1979 على على اختصاص المحكمة في تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطه التشريعية والقرارات بالقوانين الصادرة من رئيس الجمهوريه وفقاً لاحكام الدستور وذلك اذا اثارت خلافاً في التطبيق وكان لها من الاهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها، ويلاحظ ان المشرع المصري حدد في المادة (33) من قانون المحكمة الدستورية العليا الجهات التي لها حق طلب التفسير وهي (رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشعب، مجلس الهيئات القضائية) وهذا التعداد الوارد بالنص حصري لايقبل طلب التفسير من اي جهة اخرى وهذا ما استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا، ولذلك ندعو المشرع العراقي الى تحديد الجهات التي لها حق الطلب الاصلي بالتفسير برئاسات السلطات الثلاث حصراً (رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس القضاء الاعلى)، ولانؤيد اتجاه المحكمة الاتحادية الحالي بقبول طلبات التفسير من الوزراء مباشرة الا من خلال رئاسة مجلس الوزراء باعتباره المسؤول عن السياسات العامة بما فيها الوزارة طالبة التفسير، ولاسيما ان المحكمة الاتحادية العليا رفضت قبول طلبات تفسير صادرة من بعض النواب مباشرة، حيث ذهبت في قرارها المرقم (141/ اتحادية /2017 ) في 7/12/2017 الى تقرير مبدأ عام مفاده (ان طلب التفسير المقدم من احد اعضاء مجلس النواب يستوجب ان يقدم بتوقيع رئيس مجلس النواب او احد نوابه)، وهنا ناخذ على المحكمة الاتحادية العليا تناقضها فهي من جانب تقرر قبول طلب التفسير الاصلي من اعضاء الحكومه (الوزراء) مباشرة، ومن جانب اخر لاتقبل طلبات التفسير من اعضاء مجلس النواب الا عن طرق رئيس المجلس ، وهذا يقتضي من المحكمة الاتحادية العليا توحيد اتجاهها بقبول طلبات التفسير برئاسات السلطات الثلاث حصراً لحين صدور تشريع ينظم هذا الموضوع، ففي القرار محل التعليق نجد ان المحكمة الاتحادية العليا قبلت طلب التفسير الوارد من الدائرة القانونية لوزارة الخارجية مستنده الى معلومات واردة في كتاب السفارة العراقية في واشنطن، والحقيقة ان مثل هذا الموضوع المهم الذي يتعلق بمجرمي داعش ومحاكمتهم والتصرف بذويهم يفترض عرضه على مجلس الوزراء ليقرر طلب التفسير من المحكمة الاتحادية العليا من عدمه.

2. المحاكم الخاصة او الاستثنائية: سبق وان اصدرت المحكمة الاتحادية قرارها التفسيري المرقم (111/ اتحادية /2015) في 8/11/2015 والذي اشار الى ان المادة (95) من الدستور حضرت انشاء محاكم خاصه او استثنائية، وفسرت المحاكم الخاصة بانها المحاكم التي تنظر بالمنازعات التي تنشأ عن تطبيق قانون معين، اما المحاكم الاستثنائية فهي تنشأ في الظروف الاستثنائية وخارج السياقات القضائية لذلك حظر انشاءها وهذا القرار بات وملزم للسلطات كافه بما في ذلك السلطات التشريعية في اقليم كردستان استناداً للمادة (94) من الدستور، وبالتالي فأن انشاء محاكم هجينه خاصه في  اقليم كردستان من قضاة ومدعين عامين ومن غير العراقيين ولها ولايه على المواطنين والاجانب يتعارض حتماً مع احكام المادة (95) من الدستور ويشكل انتهاك للسيادة ومساس بولايه  القضاء الوطني، ولم تكن وزارة الخارجية بحاجه الى تفسير جديد وكان بالامكان اعتماد هذا التفسير و التصرف بالطرق الدبلوماسية لمواجهة هذا التوجه ولاسيما ان هذا الامر غير مؤكد بعد لانه يستند الى ( مصادر صحفية ) كما ورد بكتاب السفارة العراقية في واشنطن.  

3. الرقابة في اطار الدستور لا خارجه: من المبادىء المستقرة في النظم القانونية ان الرقابه على دستورية القوانين تخضع لضوابط، واول هذه الضوابط الرقابه في حدود الدستور، وهذا يقتضي من المحكمة الاتحادية العليا عند مباشرة اختصاصها التفسيري التقيد بهذا الضابط، مع اخذها بنظر الاعتبار تكامل نصوص الدستور في اطار الوحدة العضويه، وان الرقابه على النصوص التشريعية هي رقابه شاملة كما عبرت عن ذلك المحكمة الدستوريه العليا في قرار في الدعوى رقم (15/18/قضائية /دستورية ) في 2/1/ 1999 الذي جاء فيه (...تستهدف بحث دستوريتها عن طريق ردها لاحكام الدستور جميعاً وتغليباً لتلك الاحكام على ما دونها وتوكيدا لسموها على ماعداها لتظل الكلمه العليا للدستور، ...اذ يتعين دوما تفسيرالنصوص المطعون فيها بما يوائم بين مضمونها واحكام الدستور جميعاً، بحيث لايكون وصمها بعدم الدستورية الا عند تعذر ذلك التفسير وتلك الموائمه )، الا ان المحكمة الاتحادية العليا فسرت خارج نطاق الدستور في الاستنتاج رقم (8) و(9) و(10) من قراراها حيث تعرضت الى قرارات مجلس الامن الدولى ونظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية. 

4. الخلط بين طلب التفسير والمنازعه: لوحظ ان المحكمة الاتحادية العليا قبلت طلب التفسير من الدائرة القانونية لوزارة الخارجيه، الا انها استندت في قرارها الى المادة (93/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنه 2005 وهذا النص يتعلق باختصاص المحكمة بالفصل بالمنازعات التي تحصل بين الحكومه الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحليه، وان المنازعه يتطلب الفصل فيها بموجب دعوى، وهذا ما ذهبت اليه المحكمة الاتحادية العليا بقرارها المرقم (25/اتحادية /2013) في 26/5/2013 والذي قرر المبدأ الاتي ( ان طلب تفسير الحصانه البرلمانية ومدى تعارضها مع المنع من السفر يتطلب ان يقدم بدعوى)، وكذلك ما ورد بقرارها المرقم (7/اتحادية /2013) في 25/2/2013 الذي جاء فيه (ان مضمون طلب هيئة الاعلام والاتصالات يشكل منازعه بينها وبين الامانه العامه لمجلس الوزراء ، وان ذلك يتطلب اقامه دعوى ، لذلك فأن الطلب يخرج عن اختصاص المحكمة الاتحادية العليا)، حيث كان على المحكمة الاشارة الى نص الفقرة (ثانياً) من المادة (93) من الدستور والمتعلقه باختصاصها بتفسير الدستور بدلاً من الفقرة (رابعاً) من نفس المادة.

5. الاخطاء المادية في الاشارة الى نصوص الدستور والقانون: لوحظ ان القرار تضمن في الفقرة (7) منه الاشارة الى المادة (112/ اولاً) من الدستور وهي اشارة خاطئه تستدعي التصحيح لان المادة المذكورة تتعلق بادارة النفط والغاز، في حين ان النص الصحيح هو نص المادة (121/اولاً) من الدستور التي قصدتها المحكمة والمتعلقه بسلطات الاقاليم، وكذلك ندعو المحكمة الى تعديل الاشارة لقانونها في منطوق الحكم، حيث ورد رقم القانون (35) لسنه 2005 والصحيح هو (30) لسنة 2005.

لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى تنظيم موضوع اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في مجال تفسير الدستور وتحديد الجهات التي لها حق الطلب الاصلي بالتفسير منعاً للاجتهاد وتحديد شروط قبول الطلب ومبرراته وبيانته الشكلية والموضوعية وما اثاره النص من خلاف وتحديد تاريخ اثر القرار الصادر بالتفسير لان قرارات التفسير كاشفه وذات اثر رجعي يمتد الى تاريخ صدور النص الذي تم تفسيره ، مع بعض الاستثناءات ... والله ولي التوفيق.

اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً