المبادرة التشريعية لرئيس الجمهورية المتمثلة بتقديم مشروع قانون (استرداد عوائد الفساد) في الميزان - المرشد القانوني

المبادرة التشريعية لرئيس الجمهورية المتمثلة بتقديم مشروع قانون (استرداد عوائد الفساد) في الميزان

🖊 بقلم الدكتور أحمد طلال عبد الحميد البدري

سبق وأن صرح السيد رئيس الجمهورية برهم صالح خلال مقابلة تلفزيونية جرت في آذار/2021  بأن رئاسة الجمهورية بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مدونة قانونية تتناول آليات لاسترداد ومعرفة مصير الأموال المنهوبة من العراق، وقد عرض الرئيس يوم الأحد 23/5/2021 في خطاب متلفز وبشكل مقتضب مبادرة مشروع قانون "استرداد عوائد الفساد" وبين أن هدف هذا القانون هو تعزيز عمل الدولة العراقية واستعادة أموال الفساد ومحاسبة المفسدين وتقديمهم للعدالة، من خلال سلسلة إجراءات استباقية رادعة كما وصفها وتليها خطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد التي "تقدر بالمليارات"  فمجموع واردات العراق المتأتية من النفط منذ 2003 تقرب من ألف مليار دولاروهي مبالغ مهولة، كما اشار الخطاب إلى أن هناك معطيات ومؤشرات تُخمن أن ما لا يقل عن 150 مليار دولار من صفقات الفساد تم تهريبها إلى الخارج دون ذكر مصدر هذه التقديرات والجهات المتهمة بتهريبها، في حين قدر بعض الخبراء أن المبالغ المهربة تفوق هذا المبلغ بكثير، تحت غطاء وعناوين مختلفة مثل تمويلات الاستثمار الخارجي أو أموال شراء المعدات والأغذية وفروق العملة وغيرها، وغسيل الأموال ومنح العقود الوهمية لجهات خارجية والنشاطات الحكومية التي تقام في الخارج، ورغم أن الإعلان عن هذه المبادرة التشريعية لم يتضمن الإشارة إلى تفاصيل مشروع قانون استرداد عوائد الفساد أو آلياته، إلا أن وسائل الإعلام نشرت بعض الخطوط العامة لهذه المبادرة نقلاً عن بيان صادر من ديوان الرئاسة، وكنا نتامل نشر مسودة مشروع للتعليق عليه من المختصين والرأي العام، لذا سنكتفي بالتعلق على ابرز المحاور التي تم الإعلان عنها والتي تشكل العمود الفقري لهذه المبادرة التشريعية فيما يأتي: 

1. الأساس الدستوري للمبادرة التشريعية للسلطة التنفيذية، بالرجوع إلى أحكام المادة (73) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والتي حددت صلاحيات رئيس الجمهورية نجد أن رئيس الجمهورية لا يمارس دوراً تشريعياً فعالاً، فهو وفقاً للفقرة (ثالثاً) من هذه المادة يقتصر دوره على مصادقة وإصدار القوانين التي يسنها مجلس النواب، وحتى هذه الصلاحية هي صلاحية شكلية لأن اعتراض رئيس الجمهورية على القوانين لايوقف إصدار هذه القوانين فهو لايملك حق (الاعتراض التوقيفي) الذي يمتلكه رئيس الجمهورية في بعض الدول الاتحادية كالولايات المتحدة الامريكية، كما لايملك رئيس الجمهورية حق تقديم خطاب إلى البرلمان في أول جلسه افتتاح له يبين رؤيته التشريعية والتشريعات التي يقترح سنها على البرلمان كما هو الحال في بعض الانظمة البرلمانية ففي بريطانيا هنالك ما يعرف بخطاب الملك الذي يوجهه أول يوم لافتتاح البرلمان يتضمن رؤيته التشريعية وهي في العادة ذات أثر معنوي ملزم للبرلمان، وعوداً على الفقرة (ثالثاً) من المادة (73) من الدستور نصت نجد أنها نصت على اعتبار القوانين التي سنها مجلس النواب مصادقاً عليها بعد مضي خمسه عشر يوماً من تاريخ تسلمها وهذا يعني صلاحية رئيس الجمهورية شكلية في مجال مصادقة وإصدار القوانين وبالتالي فإن دوره ضعيفاً في العملية التشريعية، وهذا ماحصل فعلاً عند اعتراض رئيس الجمهورية على قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية رقم (20) لسنة 2020، حيث ضمن مجلس النواب القانون نصاً على سريان القانون من تاريخ سنه فضلا عن كون الدستور نص على اعتبار القانون مصادقاً وصادراً بعد مضي خمسه عشر يوماً من تاريخ تسلم الرئيس القانون، حيث صدر القانون رغم اعتراض رئيس الجمهورية, إلا أن المادة (60/اولاً) من الدستور منحت السلطة التنفيذية ممثله برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء حق المبادرة التشريعية المشتركة عندما نصت على (مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء) وهذا يعني أن تقديم مشاريع القوانين لمجلس النواب لا يكون منفرداً بل مشتركاً لرأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهوريه ومجلس الوزراء) حيث نصت المادة (66) من الدستور على أن (تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون)، وبذلك فأن آلية تحريك المبادرة التشريعية من جانب الرئاسة بصورة منفردة عن الحكومة قد خالفت المادة (60/اولاً) من الدستور، وهنا يجب ملاحظة إن المقصود بالمبادرة التشريعية المشتركه التي أخذ بها المشرع الدستوري العراقي في المادة (60/اولاً) فيها جانبين الأول اشتراك رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء) في تحريك المبادرة التشريعية، والجانب الثاني يعني اشتراك السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية في العمل التشريعي، وهو أمر ليس بجديد في النظم الدستورية المعاصرة، حيث أخذ بها دستور الجمهورية الفرنسية الرابعه لسنة 1946 ودستور الجمهوريه الفرنسية الخامسة لسنة 1958 والدستور الالماني لسنة 1949 والدستور الايطالي لسنة 1947، ومعظم الدساتير التي تبنت فكرة الفصل المرن بين السلطات تبنت فكرة المبادرة التشريعية المشتركة، لان هذا الاسلوب يسمح بتحقيق الموازنة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ويمنع انفراد أحد هاتين السلطتين بهذا الحق ولاسيما بعد اتساع دور السلطة التنفيذية في المجال التشريعي واصبح تحريك مشاريع القوانين أو مقترحات القوانين أمر لامفر منه لتنفيذ السياسة الحكومية العامة، وإذا كان اقتراح مشروع القانون ليس القانون بذاته إلا أنه يعد المحرك الأول لوجوده، إلا أن ذلك يعد من وجهة نظر بعض الفقهاء عمل من اعمال الإدارة لانه لايشتمل على الصفة الآمرة، في حين يذهب اتجاه أخر ونحن نؤيده إلى ان المبادرة التشريعية هو أحد الإجراءات التشريعية اللازمة لوجود القانون وبالتالي فهو عمل تشريعي بامتياز، ومظهر من مظاهر اشتراك السلطة التنفيذية بالعملية التشريعية.

2. إن مشروع القانون استخدم في عنوان القانون عبارة (الفساد) بشكل مطلق وهذا معناه إن القانون يستهدف كل انواع الفساد وبشتى مظاهره المتسبب في ضياع الأموال العراقية سواء كان ادارياً او مالياً أو سياسياً، وهذا الأخير يقصد به فساد الساسة والحكام ورجال الاحزاب السياسية واعضاء المجالس النيابية والمشتغلون بالعمل السياسي أي كانت مواقعهم وانتماءاتهم الحزبية عن طريق التربح من السلطة وتمويل الحملات الانتخابية، منح التراخيص، استغلال الحصانة البرلمانية في تهريب الاسلحة والمخدرات والاثار، الاستيلاء على العقارات والقصور والمقتنيات الاثرية والآثار والإتجار بها ، والجاسوسية السياسية ، الحسابات المالية السرية ...الخ، أو كان هذا الفساد اقتصادياً أو تجارياً كمخالفة السلع والخدمات للمواصفات القياسية والمعايير الدولية، إستيراد سلع منتهية الصلاحية أو ضارة أو فاسدة، غش العلامات التجارية، غش المستهلكين، تزوير شهادات المنشأ، التهرب الكمركي والضريبي، أو كان هذا الفساد اجتماعياً واخلاقياً كالدعارة والاتجار بالبشر والجنس والمحسوبية والمنسوبية...الخ، هذا من جانب ومن جانب أخر أن عنوان القانون يخص استرداد عوائد الفساد، والسؤال ماذا عن أصول الأموال التي درت هذه العوائد اليس هي جديرة بالاسترداد ايضاً ؟

3. اشار بيان رئاسة الجمهورية العراقية إن القانون يشمل جميع مسؤولي الدولة العراقية الذين تسنموا المناصب العليا (الأكثر عرضة للفساد)، ومنذ العام 2004 وحتى الآن، من درجة مدير عام فما فوق، وتقوم الجهات المالية المختصة بإعداد قائمة موثّقة بشاغلي هذه المناصب خلال 17 سنة الماضية، ويبدو لنا إن مشروع القانون يستهدف بالدرجة الاساس الفساد الكبير من خلال تحديده فئات المسؤولين المستهدفين باحكامه، كما إن البيان خلط بين معنى الموظفين والمكلفين بخدمة عامه والمسؤولين، إلا أن الإشارة إلى منصب مدير عام فما فوق يوحي بأن القانون يستهدف الموظفين والمكلفين بخدمة عامة  واعضاء السلطة التنفيذية، دون الإشارة لاعضاء الهيئة التشريعية من النواب واعضاء المجالس المنتخبة، واعضاء الهيئة القضائية من القضاة واعضاء الادعاء العام، حيث كان يفترض أن يحدد القانون بدقه الفئات المستهدفة به لاسيما إن الاتهام بمثل هذه الجرائم سيكون له آثاره المادية والمعنوية الوخيمة، كما أن تحديد وصف الجريمة وفاعلها ضروري لمنع تعسف السلطات المسؤولة عن تطبيق القانون من استخدام هذا القانون لاغراض التصفية السياسية أو الشخصية كما اسيىء استخدام بعض القوانين وتطبيقاً لمبدأ (لاجريمه ولاعقوبه إلا بنص)، كما كان على واضع مشروع القانون أن يحدد بدقة معنى مصطلح (المناصب الأكثر عرضه للفساد) لانه مصطلح غريب عن اللغه القانونية للتشريعات العراقية، ولكون المشرع منزه عن اللغو لابد أن يحدد بدقة معنى هذا المصطلح لان بقاء المصطلح على إطلاقه معناها توسيع دائرة المشمولين به حسب السلطة الاستنسابية المسؤولة عن تطبيق القانون، لان التعسف في تطبيق القانون والخطأ في تفسيره أحد مظاهر الفساد وانحراف السلطة التي يسعى القانون لمكافحته.

4. اشار البيان الى أن القانون يهدف لاسترداد الأموال داخل العراق وخارجه، وتشمل الأموال والعائدات الاجرامية في أية جريمة فساد، أو ممتلكات تعادل قيمتها، والايرادات والمنافع المتأتية من عائدات جريمة فساد والممتلكات التي حولت إليها أو بدلت بها او التي اختلطت معها ، وهنا يحق لنا ان نتسأل هل هدف القانون محصور باسترداد هذه الاموال ام يجب ان يشمل اهدافه مكافحة تهريبها من خلال تجفيف منابع ومصادر تهريب وضياع الاموال واليات ذلك ، ولربما مشروع القانون قد تضمن الإشارة إلى ذلك في نصوصه، وكنا نتأمل نشر نصوص هذا القانون ليكون النقد والتعليق منتجاً واكثر فاعلية.

5. يطالب مشروع القانون وفق بيان الرئاسة شاغلي المناصب العليا تقديم إقرار خطي خلال 60 يوما بتخويل هيئة النزاهة والمحاكم العراقية بطلب المعلومات من الدول التي يكون لهم فيها حسابات مصرفية، حيث يعد ذلك إقراراً منهم برفع السرية عن أرصدتهم للجهات الرسمية العراقية والدول التي توجد فيها الحسابات المصرفية، وبخلافه بعد مرور 60 يوما يعد مستقيلا من وظيفته، وتعليقاً على ذكر مصطلح (شاغلي المناصب العليا)، يمكن القول أن صائغ مشروع القانون وقع بنفس الاشكالية المتعلقه بتوحيد المصطلحات الدالة على معنى واحد، وهذا من أهم مبادئ جودة الصياغة التشريعية، إذ لا يجوز استخدام المترادفات عندما نكون قاصدين نفس المعنى، ولا يجوز استخدام نفس الكلمة ونفس المصطلح لكي نعني اشياء مختلفة وهذه تدعى في أدب الصياغة التشريعية (بالقاعدة التدوينية الذهبية)، فقانون الخدمة المدنية استخدم مصطلح (الوظائف الخاصة) وقانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل استخدم مصطلح (المناصب العليا)، وبعض قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) استخدم مصطلح (الوظائف القيادية) و (ووظائف ذات درجات خاصه)، وقانون الملاك لسنة 1960 المعدل استخدم مصطلح (الوظائف الخاصة)، وهذا يقتضي من صائغ النص توخي الدقة في اختيار المصطلح الدال على الوظائف وعدم الخلط بين الوظيفه وشاغلها، كما أن تعليمات كشف الذمة المالية رقم (2) لسنه 2017 قد عالجت موضوع الكشف والافصاح عن المعلومات للاشخاص شاغلي الوظائف العليا وحددت عقوبات في حالة الاخلال بها وهي عقوبة وقف صرف راتب ومخصصات الموظف المخالف أو الممتنع عن تنظيم استمارة كشف الذمة المالية اضافة لتجريم تضارب المصالح، وقد صدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم (55/اتحادية/إعلام/2017) في 20/6/2017  بعدم دستورية هاتين الفقرتين من تعليمات كشف الذمة المالية رقم (2) لسنة 2017، مبينة أن وجودهما يتعارض مع المادتين (47 و80/ثالثاً) من الدستور، حيث لا يجوز أن تتضمن التعليمات فقرات قاعدية لم ترد في صلب قانون الهيئة، ومنذ إلغاء هاتين الفقرتين عام 2017 لم تقم هيئة النزاهة بترويج مشروع تعديل قانونها لغرض ادراج هذه العقوبات في قانونها وتلافي هذا القصور التشريعي .

6. هذا من جانب ومن جانب أخر نتسأل هل تحتاج هيئة النزاهة والمحاكم العراقية لتخويل خطي من المتهم بجرائم فساد أوشبهات فساد لطلب معلومات عن حساباتهم السرية، وإذا كانت حساباتهم سرية كيف سيتم معرفتها مالم يكن هنالك تحري مالي ومتابعة للارصده وحركتها من الجهات الرقابية؟، وهذا يعد من صميم عمل هيئة النزاهة والبنك المركزي العراقي/ مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث نصت المادة (10/اولاً) من قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011 المعدل على وجود دائرة التحقيقات التي تتولى عملية التحري والتحقيق في قضايا الفساد، فالخلل ليس في القانون وإنما الخلل في آليات التعاون والتنسيق، وهذا يقتضي تدعيم هيئة النزاهة من خلال تعديل قانونها وزيادة جودة آليات التنسيق والتعاون لتتمكن من القيام بمهام التحري والتحقيق، أما مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب فقد أسس استناداً للمادة (12) من قانون مكافحة غسيل الأموال رقم (93) لسنة 2004 وهو يمارس مهام خطيرة في تلقي المعلومات وفي طلب المعلومات والتحري عنها والزام الجهات بالاستجابة لطلبة وحدد القانون عقوبة في حال الامتناع عن ذلك، كما يمارس مهام تحليل المعلومات ومقاطعتها فعمله اشبه بالجهاز الاستخباري فيما يتعلق بحركة الأموال اضافة للتبادل التلقائي للمعلومات مع الوحدات النظيرة، كما له صلاحية الإحالة إلى رئاسة الادعاء لتحريك الإجراءات القانونية، فهل وضع معد مشروع هذا القانون دور هذا المكتب بالحسبان عند اعداد صيغه هذا المشروع، هذا ما سنعرفه عند الافصاح عن مشروع القانون ونشره للرأي العام والمختصين.

7. كما يشير القانون إلى تشكيل فرق تحقيق وتقصي بين وزارة الخارجية وجهاز المخابرات وهيئة النزاهة والبنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية وبالتعاون مع الدول للتحرّي عن الأموال المهربة إلى الخارج والفاسدين، وجمع المعلومات والوثائق عن أموال العراقيين الموجودين في هذه الدول الذين شغلوا مناصب عليا في العراق، هنا نود القول ان تشكيل الفرق واللجان لاتحتاج لاصدار قانون وانما هواجراء تنسيقي يعد احد من اهم عناصر العملية الادارية ، ولعل الهدف من تشكيل لجنه التحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة بموجب الأمر الديواني المرقم (29) في 27/8/2020 وجمع الاجهزة المختصة هو لاغراض تحقيقية وتنسيقية بالدرجة الأولى وهي تظم في عضويتها اعضاء من جهاز المخابرات وهيئة النزاهة والامن الوطني ولها صلاحيات لطلب أي اوليات أو معلومات ضرورية لمباشرة عملها. كما إن جهاز المخابرات الوطني مخول بموجب المادة (9/اولا/د) من دستور جمهورية العراق لسنه 2005 بجمع المعلومات وتقويم التهديدات الموجهة للامن الوطني وتقديم المشورة للحكومة العراقية وجرائم الفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب هي مؤكد تمثل تهديدات للأمن الوطني وتدخل في اختصاص الجهاز المذكور, لذا ندعو الحكومة ومجلس النواب إلى تعزيز عمل الجهاز المذكور وسن قانونه استناداً للمادة (84/اولاً) من الدستور، فضلا عن ذلك إن قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011 نص في المادة (10/سابعاً) منه على تشكيل دائرة للاسترداد تتولى عمليه جمع المعلومات ومتابعه المتهمين المطلوبين للهيئة واسترداد اموال الفساد المهربه للخارج بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية وتضم مديريتين احدهما لاسترداد المتهمين والاخرى لاسترداد الأموال، ومن تفحص هذه النصوص نجد أن الخلل لا يكمن فيها وإنما في آليات التنسيق.

8. اشار بيان الرئاسة إنه سيتم التعاقد مع شركات تحقيق عالمية رصينة من أجل التحري عن أموال العراق المهربة للخارج وعوائدها على أن تشعر المؤسسات المالية البنك المركزي العراقي بقوائم يتم اعدادها بالمعاملات المالية والتي تزيد قيمتها عن 500 الف دولار أميركي لأجراء التحريات عنها، الحقيقية هذا المقترح فيه تكلفه مالية عالية وقد يكون التعاقد مع هذه الشركات باباً للفساد في ظل غياب التنظيم التشريعي للعقود الحكومية العابرة للحدود (الدولية) وان تعليمات تنفيذ العقود الحكومية النافذه رقم (2) لسنة 2014 لاتستجيب لهذا المقترح ، حيث سبق وان بينا باكثر من مقاله وبحث ضرورة تنظيم العقود الحكومية تنظيماً شاملاً وجعل القضاء الاداري هو الجهة المختصه بنظر منازعات هذه العقود كونه القضاء المتخصص في كل دول العالم التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج ، فضلا عن ذلك فأن التعاقد مع هذه الشركات يشكل مساساً بالجهات التحقيقية الوطنية وولايه القضاء العراقي ، ويتطلب تنفيذ هذا المقترح اتفاق دولي بين الحكومات وكلفه مالية عالية وتكييف التشريعات الوطنية لغرض الاستجابه لهذا المقترح الذي يتفرع عنه تفاصيل كثيرة تتعلق بالاختصاص وقواعد الاسناد والقضاء المختص بنظر النزاعات التي تثور مع هذه الشركات العالمية الرصينه والتي تميل الى اجراءات التحكيم في الغالب التي يفتقر نظامنا القانوني للخبرة والتجربه في هذا المجال، وبالتالي فأن اعتماد هذا المقترح يتطلب سلسله اصلاحات تشريعية للقوانين ذات العلاقه بهذا الموضوع ليكون هذا المقترح فعالا وواقعياً ، والا فأن وجود مثل هذا النص دون تدابير تشريعية سابقه سيكون حبراً على ورق.

9. تضمن مشروع القانون ولغرض التشجيع على الابلاغ عن حالات الفساد، منح مكافأة مالية تصل الى (5%) من قيمة جريمة الفساد للمخبر الذي يدلي بمعلومات عن جريمة التي تقود لاستعادة أموال الفساد، مع فرض عقوبات المدانين بجرائم الفساد تشمل المصادرة ونزع الملكية لكل ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة، والمستندات والصكوك القانونية، وقدر تعلق الأمر بمنح مكافأه للمخبر للتشجيع على الاخبار فهو أمر محمود، وأن كان الاخبار عن الجرائم عموماً هو التزام قانوني على كل مواطن وواجب على الموظفين العموميين، وهذا المقترح عالجه المشرع العراقي في قانون مكأفئة المخبرين رقم (33) لسنة 2008، حيث نصت المادة (2) منه على سريان أحكام هذا القانون على كل من (موظفي الدولة والقطاع العام وعلى من يخبر عن الأموال المنقولة وغير المنقولة للأشخاص المصادرة أموالهم بعد 9/4/2003 أو أموال غير العراقيين التي تقضي التشريعات بمصادرتها وكذلك كل من يخبر عن حالات الفساد الإداري والمالي وكل من يدلي بمعلومات لاستعادة الآثار العراقية المسروقه وكل من يخبر عن جرائم الاختلاس والسرقه والتزوير...الخ)، كما تضمنت المادة (3/اولاً/ثانياً) من هذا القانون منح الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطه بوزارة صلاحية منح مكافئة مالية للمخبر مقدارها (5%) من قيمه المال الذي لا يزيد مائة مليون، وبنسبة (3%) من قيمة المال على ما زاد عن مائه مليون، لذا كان على واضع صيغة المشروع الرجوع للقوانين النافذه والاطلاع على الأحكام الواردة فيها لمنع التكرار والتعارض في النصوص، وكان من الاوفق لو تبنى المشروع صيغه تعديل نسبه المكافئة الممنوحة للمخبر بدلاً من تكرار النسبة.

10. تضمن مشروع القانون التقصّي والتحقيق عن أموال الفساد، يشملان أيضا أفراد أسر المسؤولين وأصدقاءهم والمقربين الذي يربطهم أي نوع من العلاقة سياسية أو تجارية، إلى جانب أصحاب النفوذ وهم الأشخاص الذين لهم تأثير في صنع القرارات داخل مرافق الدولة وأجهزتها والحقيقة أن مصطلح (اصحاب النفوذ) مصطلح جديد على قاموس مفردات التشريع العراقي لانه قابل للتفسير الواسع حسب خلفية القائم بالتحقيق ، في حين كان يفضل صياغه النص بطريقه تسمح للجهات التي تتولى التحري التحقيق مباشرة اختصاصاتها ضد كل من يثبت تورطه أوعلاقته بمرتكبي الجرائم وصولاً للأموال المسروقة أو المهربة سواء كان كانوا من اقرباء المتهم أو اصدقائه أو معارفه...الخ وهذا لا يحتاج لنص لان التحقيق هو الذي يقود إلى ذوي العلاقة بالجريمة المرتكبة، على أن لا تصدر أوامر القبض والتفتيش إلا بإذن قضائي.

11. تضمن مشروع القانون الإشارة إلى أن  وفاة المتهم بالفساد أو انقضاء فترة الدعوى القضائية، لا يمنع مساءلته عن الجريمة، ولا يجوز العفو عنه، وتخضع ممتلكاته وأمواله للعقوبات، والحقيقية أن هذا النص لايمكن تطبيقه من الناحية العملية لانه لايمكن معاقبة المتوفي لانه فقد شخصيته، ويمكن فرض إجراءات وتدابير على أموال ورثته كالمصادرة والحجز في حال اثبتت التحقيقات ارتكابه هذه الجريمه، ولذلك نصت المادة (300) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنه 1971 المعدل على انقضاء الدعوى الجزائية في حال وفاة المتهم، وهذا النص اساسه المادة (34/1) من القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 المعدل التي نصت على (تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حياً وتنتهي بموته).

12. عدم عرض مسودة المشروع على الجهة المختصة بالرقابة الفنية على مشاريع القوانين ولاسيما ذات المصدر الحكومي وهذه الجهة هي مجلس الدولة الذي يختص استناداً للمادة (5) من قانونه رقم (65) لسنه 1979 المعدل بإعداد وتدقيق مشاريع القوانين من حيث الشكل والموضوع ومسؤول عن ضمان وحدة التشريع وتوحيد أسسس الصياغة التشريعية وتوحيد المصطلحات والتعابير القانونية، فطبقاً للمادة (60/اولاً) فأن المبادرة التشريعية للسلطة التنفيذية يجب أن تكون مشتركة بين رئيس الجمهورية والحكومة وهذا يقتضي عرض المشروع على مجلس الدولة لتدقيقه كما بينا سابقاً.

13. طبقاً لمبدأ الشفافية في العمل التشريعي وخصوصاً التشريعات ذات الاهتمام الكبير من جانب الرأي العام، كنا نتمى طرح مسودة المشروع في وسائل الإعلام لإطلاع الرأي العام والمختصين من الفقهاء وأساتذه القانون ومنظمات المجتمع المدني لتناوله بالنقد والتعليق والملاحظات والاستفادة مما يطرح من قبل الصائغين لتلافي الملاحظات الموضوعية والشكلية التي تسهم في جودة التشريع واستجابته للواقع المطلوب معالجته دون أن يشكل ذلك عبئاً على المنظومة التشريعية التي ترزح تحث ثقل التضخم التشريعي.

14. توقيت طرح المبادرة التشريعية لن نخوض به لانه سيخرجنا من الجانب القانوني إلى الجانب السياسي وهو ليس باختصاصنا. لما تقدم فأن هذا المشروع رغم اهميته إلا أنه بوضعه الحالي يحتاج إلى تنضيج من النخب القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للوصول إلى تشريع فعال في مكافحة الفساد واسترداد أموال الشعب العراقي المهدورة والله ولي التوفيق.

اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً