يستند القضاء إلى عدد من المرتكزات تعتبر الدعائم المهمة التي يقوم عليها, والتي من خلال تقريرها والتمسك بقيمها يتمكن القاضي من أن يؤدي الدور الذي أسند إليه بكامل أمانة في ضوء حرية إرادته في إتخاذ القرار القضائي الذي يراه في كل دعوى تعرض عليه, ومن بين هذه المرتكزات استقلال القضاء.
حيث تنص المادة 88 من الدستور العراقي لسنة 2005 بأن (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأي سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة). ولما كان الدستور هو الوثيقة التي تتضمن مجموعة القواعد أو المبادئ أو الأسس العليا التي يقوم عليها المجتمع لذا فإن مبدأ استقلال القضاء يأتي في إطار القيم العليا في المجتمع.
ويقوم مبدأ استقلال القضاء على أساس أنه لكي تتحقق المساواة ويضمن العدل في الحكم القضائي, يستلزم أن يتمتع القاضي بالاستقلال التام والحرية الكاملة والإرادة السليمة في عملية إتخاذ القرار القضائي من خلال تطبيق القانون وهذا يعني أن القاضي يحكم فيما يعرض أمامه من وقائع طبقًا لإدراكه للحقائق ولفهمه للقانون بعيدًا عن أي تأثير آخر بالترغيب أو بالضغوط المباشرة أو غير المباشرة من أية جهة ولأي قصد. وإلا أصبح المتدخل في موقف يمكن أن يسأل فيه جزائيًا جراء هذا التدخل.
وقد خصص الباب الرابع من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل للجرائم المخلة بسير العدالة. وقد نصت المادة (233) من هذا القانون "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة توسط لدى حاكم أو قاضِ أو محكمة لصالح أحد الخصوم أو إضرارًا به". أما إذا قبل القاضي هذا التأثير وأصدر الحكم بمقتضى ذلك فإن ذلك القاضي يتعرض للعقوبة الجزائية وهذا ما نصت عليه المادة (234) من قانون العقوبات العراقي التي جاء فيها (يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل حاكم أو قاضِ أصدر حكمًا أنه غير حق وكان ذلك نتيجة التوسط لديه). إضافة إلى هذا يمكن أن يتعرض القاضي للعقوبات المنصوص عليها في قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979. حيث تنص المادة (58) من هذا القانون على أن تصدر لجنة شؤون القضاة المشكلة بموجب قانون وزارة العدل، في الدعاوى الانضباطية المقامة على القاضي إحدى العقوبات الانضباطية الآتية:
اولاً: الانذار ويترتب عليه تاخير علاوة القاضي وترفيعه لمدة ستة اشهر.
ثانيًا: تأخير الترفيع أو العلاوة أو كليهما، مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات من تاريخ القرار إذا كان قد أكمل المدة القانونية للترفيع وإلا من تاريخ اكمالهما.
ثالثًا: إنهاء الخدمة وتفرض هذه العقوبة على القاضي إذا صدر عليه حكم بات بعقوبة من محكمة مختصة عن فعل لا يأتلف وشرف الوظيفة القضائية، أو إذا ثبت عن محاكمة تجريها اللجنة عدم أهلية القاضي للاستمرار في الخدمة القضائية.
وتنص الفقرة الثانية من المادة (59) من نفس القانون (لا يُعاد إلى القضاء من تنتهي خدمته وفق أحكام هذا القانون على أن ذلك لا يمنع من تعيينه في وظيفة مدنية).
ومن مستلزمات استقلال القاضي أيضًا التقرير بأنه لا يجوز نقل القاضي من محكمة أو وظيفة قضائية إلى أخرى إلا اتباعًا لنظام منتظم, وقد نصت الفقرة (أ) من المادة (49) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 على ذلك بقولها: (لا يجوز نقل القاضي إلى وظيفة غير قضائية إلا بموافقته التحريرية). وما لم يقر هذا المبدأ ويطبقًا عمليًا, فإن هذا النقل يمكن أن يستخدم لمعاقبة قاضي حر وشجاع ولردع الآخرين وإرهابهم كي لا يقتدوا بهذا القاضي الشجاع في الحق.
كما أن الترقية والترفيع يلزم أن يتما على أسس من المفاضلة الموضوعية بين المرشحين تعتمد فيها النزاهة ومدى تمسك القاضي وحرصه على الاستقلال في صنع القرار القضائي, وكذلك الكفاية الوظيفية والخبرة العلمية والعملية, ومدى ما بذله من جهد في الارتقاء بذلك.
كما أن أية إجراءات تأديبية تتعلق بالقاضي يجب أن تكون أمام محكمة أو لجنة مختصة بشؤون القضاة. وأن يخضع القرار لطرق الطعن أمام هيئة قضائية مختصة ضمن تشكيلات محكمة التمييز, ويلزم أن تكون للقاضي حصانة من تتبعه مدنيًا بسبب الأعمال التي يقوم بها في حدود ولايته القضائية, وذلك لأن القاضي يجب ان يكون حر التصرف في ممارسته لمهامه القضائية وطبقًا لقناعته في حدود القانون دون جرح من عواقب شخصية يمكن أن يتعرض إليها وهذا مهم وضروري على طريق تحقيق العدل. فقد شهد استقلال القاضي قابلية الاستجابة لادعاءات كل فرد يشعر بالضرر من قرار القاضي.