يواجه القضاء وهو بصدد القيام بوظيفته في الفصل في المنازعات, حالات معينة لا تتوافر لها الحلول في القواعد التشريعية رغم وفرة هذه القواعد. ولما كان القاضي ملزمًا قانونًا بالفصل في النزاع المعروض أمامه وإلا عد منكرًا للعدالة وممتنعًا عن إحقاق الحق, فأنه يلجأ إلى إستخلاص القواعد التي استقرت في ضمير الجماعة ومن ثم المشرع, مستهديًا في ذلك بالمبادئ التي تضمنتها فروع القانون الأخرى إذا وجدها مناسبة للروابط الإدارية, فإن لم يجد وجب عليه أن يستوحي أو يستحضر قواعد القانون الطبيعي ومبادئ العدالة. وتتمتع الحلول التي يبتدعها القضاء بأهمية كبيرة في مجال القانون الإداري باعتباره قانونًا غير مقنن ومحدود النصوص, كما تؤلف هذه الحلول قواعدًا ومبادئًا جديدة تضاف إلى مصادر المشروعية الأخرى التي تلتزم بها الإدارة في تصرفاتها.
وتتمتع الأحكام القضائية بحجية الشيء المقضي به, ومعناه قيام قرينة قانونية قاطعة مؤداها افتراض أن الإجراءات التي أدت إلى الحكم وأنتهت به صحيحة قانونًا, وأن هذا الحكم عنوان الحقيقة القانونية. حيث نصت المادة (105) من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 على أن ((الأحكام الصادرة من المحاكم العراقية التي حازت درجة البتات تكون حجة بما فصلت فيه من حقوق إذا إتحد أطراف الدعوى ولم تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بذات الحق محلاً وسببًا)). وكون القرينة قاطعة معناه أنها غير قابلة لإثبات العكس, والحكمة من هذه الحجية هي توفير الإستقرار في النظام القانوني للدولة بوضع حد نهائي للمنازعات, فنصت المادة (106) من قانون الإثبات العراقي النافذ على أنه ((لايجوز قبول دليل ينقض حجية الأحكام الباتة)).
وحجية الأحكام القضائية قد تكون نسبية أي مقصورة على أطراف الخصومة التي صدر فيها الحكم وهذه هي القاعدة العامة, وقد تكون مطلقة أي يحتج بها على الكافة وهذا هو الإستثناء كما هو الحال بالنسبة لأحكام إلغاء القرارات الإدارية, وذلك لأن حكم الإلغاء يترتب عليه زوال القرار الإداري من الوجود ومن ثم لا يتصور أن يكون هذا الزوال بالنسبة للبعض دون البعض الآخر.
وكما أن حجية الشيء المقضي فيه يترتب عليه نتيجة وهي إلزام الأفراد بإحترام الحكم وتنفيذه فكذلك يقع هذا الإلزام على عاتق الإدارة. وسواء أكان الحكم صادرًا في مواجهة الإدارة أم في مواجهة الافراد, فالإدارة ملزمة في الحالتين بتنفيذه, إعمالاً لمبدأ الحجية التي تتمتع بها الأحكام القضائية, وإمتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام يعد إخلالاً بمبدأ إحترام حجية الشيء المقضي به, وهو من المبادئ القانونية العامة, فتكون مخالفته من قبيل مخالفة القانون ومن ثم مخالفة مبدأ المشروعية.
وأخيرًا ينبغي ملاحظة أن الأحكام القضائية وإن كانت مصدرًا من مصادر إلتزام الإدارة, إلا أنها ليست بذاتها عنصرًا من عناصر المشروعية بالمعنى الصحيح, لأن هذه العناصر تقتصر على القواعد العامة المجردة الملزمة, ومن الواضح أن هذا الوصف لا ينطبق على الأحكام القضائية, فهي لا تنشئ قواعدًا قانونية عامة أو مراكز قانونية عامة, وإنما الذي يعد عنصرًا من عناصر المشروعية في هذا الصدد هو مبدأ إحترام حجية الشيء المقضي فيه, وعلى هذا لا تخرج الأحكام القضائية عن كونها إحدى تطبيقات المبادئ القانونية العامة التي تعد من مصادر المشروعية.