إعداد وصياغة الإستشارات القانونية - المرشد القانوني

إعداد وصياغة الإستشارات القانونية

أولاً/ ماهية الإستشارات القانونية :

الإستشارات القانونية من أدق أعمال المحاماة التي يؤديها المحامي، والإستشارة هي طلب إبداء الرأي القانوني في موضوع يثير مشكلات أو مسائل عملية تستوجب تحديد القواعد القانونية الواجبة التطبيق لإيجاد الحلول الصحيحة بتلك المشكلات، وقد تكون هذه المشكلات متعلقة بمواد مدنية أو تجارية أو جزائية أو مواد أحوال شخصية أو أية مواد أخرى. 


ثانيًا/ وسائل إبداء الرأي القانوني المكون لجوهر الإستشارة القانونية :

إن طالب الإستشارة القانونية قد يختار أو يلجأ إلى وسيلة من وسائل ثلاث للحصول على الإستشارة القانونية التي يطلبها، وهذه الوسائل هي الإتصال الهاتفي التليفوني أو الإتصال الشخصي أي الحضور إلى مكتب المحامي ومقابلته والجلوس معه أو إرسال مكاتبة تتضمن جوانب الموضوع والمشكلات التي يرغب طالب الإستشارة في إبداء الرأي القانوني فيها، فأما عن الإتصال الهاتفي أو الشخصي، فإن طالب الإستشارة قد يتصل بالمحامي هاتفيًا أو يحضر إليه شخصيًا في مقابلة معه، ثم يطرح عليه الموضوع، ويطلب منه إبداء الرأي القانوني، وقد يكون الرأي القانوني المطلوب شفويًا أو مكتوبًا، إذ قد يكتفي طالب الإستشارة بالحصول فقط على الرأي القانوني المطلوب شفويًا، دون أن يطلب من المحامي كتابة هذا الرأي على أوراق أو مطبوعات مكتبه. ونود بإخلاص توجيه انتباه الإخوة والزملاء المحامين الذين يتصدون لإبداء الرأي القانوني بوجه عام، إلى خطورة الاستشارة القانونية الشفوية، ومن ثم فإننا نوصي بعدم التسرع في إبداء الرأي القانوني الشفوي الذي يراه المحامي، وذلك سواء عن طريق الإستشارة بالهاتف أو عن طريق الإتصال الشخصي المباشر. وأما عن إلاستشارات القانونية المكتوبة، فإنه من المفترض أن هذه هي الوسيلة المثالية لإبداء الرأي القانوني، حيث يكون المحامي في مجال هذه الوسيلة فرصة البحث والتقصي لإعداد الاستشارة بدقة وثقة بعد الرجوع إلى المصادر والمراجع المختلفة ليحصل منها المحامي على الحقائق والمعلومات القانونية التي يصيغها في الإستشارة عندما يقوم بكتابتها، وليكون أمام المحامي الوقت الكافي لإعداد وصياغة رأيه القانوني بطريقة دقيقة ومقنعة ومحترمة. 


ثالثًا/ الإستشارة القانونية أخطر من الفتوى الشرعية وأعظم منها أثرًا :

 لا يخفى على أحد أن الاستشارة القانونية قد يترتب عليها آثار في غاية الخطورة ويقصد بذلك حالة أن يكون الرأي القانوني الذي أبداه المحامي غير صحيح قانونًا أيا كان المجال الذي أبدى فيه هذا الرأي، ذلك أنه يترتب عليه تحمل طالب الاستشارة أعباء وتبعات قد تكون جسيمة، على خلاف الحال والوضع فيما لو كانت تلك الإستشارة صحيحة وموافقة لأحكام القانون أما في حالة الفتوى الشرعية، فإن طالب الفتوى لو كان قد حصل على فتوى شرعية خاطئة أو غير متفقة مع الرأي الشرعي الصحيح، فإن طالب الفتوى يعذر من قبل الله سبحانه وتعالى، لأنه قد عمل برأي عام أو مفت، وإن كان هذا الرأي قد تبين عدم صحته إذ في هذه الحالة يتحمل المفتي وحده تبعه رأيه الذي أفتى به، وتلك هي علاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، ويكفي العالم الشرعي أنه قد اجتهد، سواء أصاب أو أخطاء فإذا أصاب فإنه يثاب على صواب رأيه بالإضافة على إثابته على مجرد الإجتهاد، وإن أخطا في الرأي الذي توصل إليه، فإنه يثاب على مجرد اجتهاد. 

الخلاصة إذن، أن الرأي القانوني الخاطئ أخطر من الفتوى الشرعية لأنه قد يثقل طالب هذا الرأي بتبعات لا مبرر لها وقد يكون غير مؤهل لتحملها، وهذا على خلاف الحال بالنسبة للفتوى الشرعية غير الصحيحة التي يعمل بها طالب الفتوى، والتي لا يتحمل وزرها ولا يترتب على العمل بها أية تبعات طالما أنه قد تحري الدقة في طلب هذه الفتوى


 رابعًا/ طريقة إعداد وصياغة الرأي القانوني الذي تتضمنه الاستشارة القانونية :

 يلزم لإعداد الرأي القانوني أو الاستشارة القانونية بوجه عام إتباع القواعد والخطوات التالية :

1. القاعدة والخطوة الأولى حصر واستيعاب الوقائع التي عرضها طالب الإستشارة والمطلوب إبداء الرأي فيها، فهي تكون صلب وجوهر الإستشارة. 

2. القاعدة والخطوة الثانية ترشيح ثم حصر المسائل أو القواعد القانونية التي تثيرها وقائع الإستشارة والتي تم حصرها مسبقًا، فالإستشارة القانونية تتألف من عنصرين هما: العنصر الأول هو عبارة عن الوقائع أو المعطيات أو الحقائق التي يحصل عليها المحامي من طالب الإستشارة، أيًا كانت وسيلة طلب الإستشارة، أي سواء أكانت عن طريق الهاتف أو بطريق المقابلة الشخصية المباشرة أو عن طريق طلب أو مذكرة مكتوبة من قبل طالب الإستشارة، ويلزم توجيه الانتباه إلى أن هذا العنصر له أهمية بالغة في تحديد الرأي القانوني وصياغته بدقة، ذلك أن الوقائع التي يتحصل عليها المحامي هي التي ترشده وتوجهه إلى ترشيح ثم أختيار النصوص القانونية التي تستجيب لحل هذا النزاع، ومن ثم فإن الوقائع تعين المحامي على إبداء الرأي القانوني الصحيح طالما أن المحامي قد أستوعب الحقائق أو المعطيات التي تضمنتها وقائع الإستشارة بطريقة صحيحة ومتكاملة. أما العنصر الثاني فهو عبارة عن القواعد القانونية الواجبة التطبيق على الوقائع، وقد تكون القواعد القانونية التي يثيرها موضوع الإستشارة متعلقة بقانون واحد أو بعدة قوانين، وذلك حسبما يشير ويرشد إليه موضوع ووقائع الإستشارة. 

3. القاعدة والخطوة الثالثة مراجعة النصوص القانونية التي تم ترشيحها للانطباق على وقائع الإستشارة إذ يلزم أن يرجع المحامي إلى هذه النصوص، سواء أكان الأمر يتعلق بقانون واحد أو بعدة قوانين، ويرجى الإنتباه في هذا الخصوص إلى ضرورة التحوط والتحرز في تفسير وتأويل النصوص القانونية التي يرى المحامي أنها قد تنطبق على موضوع ووقائع الإستشارة، إذ يلزم التأكد تمامًا من أن هذه النصوص تنطبق على الوقائع التي طرحها طالب الإستشارة والتي تطلب الإستشارة بشأنها، فكثيرا ما يحدث خطأ في تفسير النصوص القانونية مما يجعل المحامي يعتقد أن هذه النصوص تنطبق على الوقائع المعروضة عليه، وتكون حقيقة وواقع الأمر أن هذه النصوص لا تنطبق على تلك الوقائع لذلك، فإننا نوصي بضرورة الرجوع إلى المؤلفات التي تشرح هذه النصوص حتى يكون المحامي على ثقة فيما يتوصل إليه، وسواء أكانت هذه المؤلفات هي مؤلفات التعليق على النصوص أو المؤلفات الدراسية الجامعية.


مثال أو نموذج توضيحي جاء طالب الإستشارة إلى مكتب المحامي وقابله وجلس معه وعرض عليه ما يأتي؛ أنه يملك قطعة أرض زراعية (حدائق) مساحتها دونم ونصف، وتوجد بجواره قطعة أرض زراعية ملاصقة له مساحتها دونم، وهذه القطعة تلاصق أرضه من جهتين. كانت الأرض المجاورة لطالب الإستشارة مرهونة رهناً حيازياً تأميني لدين على مالك هذه الأرض، ولم يقم المدين بسداد هذا الدين أتخذ الدائن إجراءات نزع الملكية المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وتم بيع الأرض المرهونة بالمزاد العلني. ولقد رسا المزاد على أبن المدين الراهن. 

عرض طالب الإستشارة على المحامي أنه يرغب في أخذ قطعة الأرض المجاورة له عن طريق الشفعة وطلب منه الرأي في ذلك، فطريقة التفكير في هذا الموضوع :

 أولاً : ما عرضه طالب الإستشارة هو الوقائع والحقائق أو المعطيات التي تتضمنها هذه الوقائع، وهذا هو العنصر الأول من عنصري الإستشارة القانونية، حيث يجب أن يفهم هذه الوقائع جيدًا بما ورد بها من معطيات وحقائق. 


ثانيًا : يبحث المحامي بعد ذلك في نصوص القانون التي تثيرها هذه الوقائع وما تضمنته من معطيات وحقائق، ويلزم التنويه أن موضوع الإستشارة بصفة مجملة يتعلق بالشفعة، ومن ثم يلزم أن يرجع المحامي إلى نصوص الشفعة، ثم يحدد من بين هذه النصوص النص أو النصوص التي تنطبق على هذه الوقائع بشكل قاطع وبالرجوع إلى نصوص الشفعة سوف يتبين للمحامي النصوص المنطقة على الواقعة، ويجب أن يرجع المحامي ليراجع هذه النصوص، ثم يراجع مؤلفات التعليق على النصوص ليستخرج منها القواعد الواردة في هذه النصوص وتدوينها لديه في ورقة أو أوراق تكون معه، لأن هذه القواعد هي التي ستكون في النهاية الرأي القانوني الذي يبديه لطالب الاستشارة.


4. القاعدة أو الخطوة الرابعة أن المحامي عندما يرجع إلى مؤلفات التعليق على نصوص القانون أو المؤلفات الجامعية أو إلى مجموعات الأحكام الفضائية أو المؤلفات والأبحاث الفقهية، فإنه يجب أن يدون في أوراق متفرقة كل ما يتحصل عليه ويراه متصلاً بموضوع الإستشارة، وبحيث تكون هذه الأوراق المتفرقة التي يدونها المحامي ومع أنها غير مترابطة، إلا أنها تعتبر "مسودة" في كل جزئية من جزئيات الموضوع. 


5. القاعدة أو الخطوة الخامسة : بعد كتابة "المسودة" المنوه عنها في الخطوة السابقة، والتي كانت عبارة عن أوراق متفرقة وعبارات غير مترابطة، فإن المحامي يجد نفسه أن لديه وتحت يده مادة كاملة تشمل كل جوانب الموضوع المطلوب إبداء الرأي فيه وإعداد الإستشارة بشأنه فيبدأ المحامي في هذه الحالة الصياغة النهائية للإستشارة المطلوبة، بأن يرتب هذه الأوراق التي سبق له أن أعدها، سواء عندما قرأ التعليق على نصوص القانون، أو عندما أطلع على أحكام محكمة النقض أو آراء الفقه، ثم يضع ما دونه في الثوب النهائي المتكامل بأن يعرض الرأي الذي أستقر عليه، مزودة بالأدلة والأسانيد المختلفة، القانونية والقضائية والفقهية، مما يبعث على الثقة في الإستشارة واليقين في صحة ما انتهت إليه، وبالتالي اطمئنان طالب الإستشارة القانونية إلى ما انتهى إليه رأي المحامي، كما أن المحامي يطمئن إلى صحة ودقة العمل الذي أداه.


- المصدر : موسوعة مقومات التميز والكفاءة.

- المؤلف : د. كمال عبد الواحد الجوهري.

- الصفحة : 591 - 597.

اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً