أصل عقد البيع وطبيعته - المرشد القانوني

أصل عقد البيع وطبيعته

 أصل عقد البيع هو المقايضة، والمقايضة هي مبادلة سلعة بسلعة أخرى، إلا أن تعدد الروابط الإجتماعية وازدياد حاجات الناس أظهر عجز هذه الوسيلة وعدم كفايتها في إشباع تلك الحاجات لأن من يريد الحصول على سلعة قلما يجد مالكًا راغبًا فيما هو زائد عن حاجته، ولذلك بحث الإنسان عن سلعه أخرى ذات منفعة عامة تنسب إليها قيم باقي السلع، وتوصل إلى المعادن، ثم تولت الدولة سك هذه المعادن وحددت حجمها ووزنها مقدمًا، وظهرت أخيرًا النقود الورقية التي حلت محل المعادن في التداول. وهكذا ظهر البيع بمعناه الحديث من تاريخ ظهور النقود.

1. البيع في القانون الروماني : كان عقد البيع عند الرومان من عقود التراضي، إلا أنه لم يكن ناقلاً للملكية، بل كان يلزم البائع بتمكين المشتري من وضع يده على المبيع وحيازته حيازة هادئة. ولاقتصار حق التملك وإلزام الغير على الرومان وحدهم، ولما كانت الضرورات تستلزم التعامل مع غير الرومان ولما كان الأجانب لا يمكنهم أن يتعاملوا على شراء شيء من دون أن يلتزم البائع بأي التزام، فقد أضطر المشرع الروماني بموجب قانون الشعوب إلى أن يرتب للبيع أثرًا واحدًا، وهو التزام البائع بتمكين المشتري من وضع اليد وفي الحيازة الهادئة حتى يتيسر للرومان التعامل مع الأجانب. ومع ذلك كان للمشتري الاشتراط في العقد على البائع أن ينقل ملكية المبيع، لأن هذا الشرط لا يتعارض مع طبيعة عقد البيع إلا أنه كان يمنع على البائع أن يشترط عدم نقل الملكية إلى المشتري لتعارض الشرط الأخير مع، طبيعة عقد البيع.

2. البيع في القانون الفرنسي : لقد تخلص القانون المدني الفرنسي من الرموز والصيغ المعروفة عند الرومان، إلا أنه أبقى على التسليم واعتبره الطريق المعتاد لنقل الملكية. ولكن تطور هذا القانون أدى أن ينتهي الأمر به بالاكتفاء بالتسليم الصوري. فقد كانَ يكفي لاعتبار تمام التسليم مجرد ذكر أن التسليم قد وقع في العقد، وإن كان هذا البيان مخالفًا للحقيقة.

واختلف الفقه حول تفسير المادة 1582 التي تعرف البيع بقوله : أنه هو (عقد يلتزم به أحد الطرفين بتسليم شيء ويلتزم الآخر بدفع ثمن ويجوز أن يتم بعقد رسمي أو عرفي). البعض منهم يرى بأن أن عقد البيع لا ينقل الملكية إلى المشتري، لأن المادة أعلاه تلزم البائع بتسليم المبيع، ويذهب الرأي الراجح إلى أن المواد الأخرى من القانون الفرنسي تكمل نص المادة 1582 وتقطع في أن عقد البيع ناقل للملكية كالمادة 1138 التي تقرر أن الالتزام بنقل الملكية يتم بمجرد إتحاد إرادة الطرفين والمادة 1538 التي تقر إنتقال الملكية إلى المشتري من وقت اتفاق الطرفين على المبيع والثمن، حتى لو يسلم المبيع إليه أو يدفع الثمن إلى البائع.

3. البيع في الشريعة الإسلامية والقانون المصري والعراقي : تعرف المادة 105 من مجلة الأحكام العدلية عقد البيع بأنه (مبادلة مال بمال ويكون منعقدًا وغير منعقد) وتعرف المادة 343 من مرشد الحيران بقولها (عقد البيع البائع مالاً للمشتري بمال يكون ثمناً للبيع). فالشريعة الإسلامية تقر إنتقال الملكية بالعقد وبصورة مباشرة. ولهذا يشترط فقهاء الشريعة الإسلامية لنفاذ البيع عند جمهورهم ولانعقاده عند بعضهم، أن يكون البائع مالكًا للمبيع، مما يعني أن بيع ملك الغير موقوف على إجازة المالك حسب الرأي الأول وباطل حسب الرأي الثاني. وعلى الرأيين لا أثر لبيع الفضولي ولا يحل مالاً قبل الإجازة.

ويعرفه القانون المدني المصري الجديد في المادة 418 منه بقوله (البيع عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقًا ماليًا آخر في مقابل ثمن نقدي)). وينتقد بعض الفقهاء هذا التعريف لأنه لا يشير إلى إنتقال الملكية بمجرد إبرام العقد. كما أنه يتكلم عن نقل الملكية باعتباره أثرًا من الآثار التي تترتب على عقد البيع.

وتعرف المادة 506 من القانون المدني العراقي عقد البيع بأنه هو (مبادلة مال بمال). والتعريف أعلاه لا يقتصر على البيع بل هو يشمل المقايضة والصرف. كما أنه لا يشير إلى إنتقال الملكية إلى المشتري بمجرد تمام البيع وضرورة كون الثمن الذي يلتزم به المشتري مبلغًا من النقود. ولذلك فإننا نفضل التعريف الوارد في المشروع الأول الذي وضعه المرحوم الأستاذ السنهوري، إذ إنه عرفه بأنه (مبادلة نقد بغيره من المال). ومع ذلك يعتبر عقد البيع في التشريع العراقي ناقلاً لملكية المبيع المعين بالذات بمجرد انعقاد العقد (531م مدني). وإذا كان المبيع عقارًا وجب لانعقاد البيع تسجيلة في دائرة التسجيل العقاري. فالعقد لا ينعقد كما أن الملكية لا تنتقل إلا بتسجيل العقد في الدائرة المذكورة (508م مدني، 3 تسجيل عقاري)


- الكتاب : الموجز في العقود المسماة - عقد البيع. 
- المؤلف : د. سعيد مبارك. 
- الصفحة : 9 - 12.
اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً