تمييز عقد البيع عن غيره من العقود المتقاربة له - المرشد القانوني

تمييز عقد البيع عن غيره من العقود المتقاربة له

قد تظهر عقود تأخذ قسمًا من اوصافها من البيع والقسم الأخر من عقود أخرى غير البيع، فيقوم الشك حينئذ حول نوع هذا العقد. و نظرًا لما لتحديد نوعية العقد من أهميّة، فمن الضروري التمييز هنا بين عقد البيع وبين هذه العقود التي تقترب منه أو تختلط به بشكل من الأشكال وهي : 

1. البيع والهبة : الهبة تمليك مال لآخر بلا عوض. فالعوض هو الذي يميز البيع عن الهبة. ومع ذلك قد تكون الهبة بعوض فما الحكم في هذه الحالة، إذا تبين من الوقائع وجود نية التبرع فالعقد هبة حتى وأن اشتراط العوض في العقد وإلا فيعتبر بيعًا ومسألة وجود أو عدم وجود نية التبرع مسألة وقائع يكشف عنها قاضي الموضوع ولا رقابة المحكمة التمييز عليه ومن القرائن التي تدل على وجود نية التبرع اشتراط الواهب دفع العوض إلى شخص ثالث. ولكن إذا كان العوض من النقود وكانت تساوي أو تقارب قيمة الشيء الموهوب فالعقد بیع لا هبة في هذه الحالة، لإنعدام نية التبرع.

2. البيع والوصیة : البيع هو تمليك البائع المشتري المبيع في الحال مقابل ثمن معين، أما الوصية فإنها تمليك بلا عوض مضاف إلى ما بعد الموت. ولكن قد يحاول البعض التحايل على أحكام القانون، فيعمد مثلاً إلى تصوير الوصية بصورة عقد فينص في العقد إن الأب باع ولده فلان المال الفلاني بمبلغ معين على إن لا تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري إلا بعد وفاة البائع. أن هذا العقد ما هو في الحقيقة إلا وسيلة لاخفاء وصية مستترة توصل بها الأب لمنع بقية الورثة من إستعمال حقهم في إجازة أو عدم إجازة الوصية فيما يزيد على ثلث التركة، في مثل هذه الحالات يترتب على القاضي أن يطبق احکام الوصية لا أحكام البيع، إلا إذا لم يجد سندًا لاعتبار العقد بيعًا. فإن وصف التصرف بانه بيع أو وصية يخضع للظروف الموضوعية التي تم فيها التصرف ومن ثم للقاضي بحسب هذه الظروف استخلاص التكييف الملائم للعقد.

 ويلاحظ أن المادة 917 من القانون المدني المصري تنص في هذا الصدد على أنه (إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها، وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، أعتبر التصرف مضافا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية مالم يقم دليل يخالف ذلك). فالمشرع المصري يقبل في هذا الصدد قرينة قانونية بمقتضاها يعتبر التصرف لأحد الورثة وصية، إذا أحتفظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها أو بحقه في الانتفاع بها مدى حياته. إلا أن بالامكان إثبات خلاف هذه القرينة، ولعدم وجود نص ممائل للنص أعلاه في التشريع العراقي، فإن وصف التصرف بانه بيع أو وصية يكون متروکًا للقضاء ان يقدره بحسب الظروف التي تم التصرف فيها، ومع ذلك يشاهد بأن المشرع العراقي يعتبر التصرف الناقل للملكية والصادر من المورث في مرض الموت في حكم الوصية إذا كان على سبيل التبرع 1109م مدني.

 3. البيع والوديعة : الوديعة عقد بموجبه يحيل المالك أو من يقوم مقامه حفظ ماله إلى اخر ولايتم إلا بالقبض ويلتزم الوديع بان يرده عینا (951م مدني) فالملكية في البيع تنتقل من البائع إلى المشتري مقابل عوض بينما لاتنتقل في الوديعة. ومع ذلك قد يصعب التمييز بينهما في الأحوال التي يسلم فيها شخص الآخر شيئًا ليبيعه على أن يرد ثمنه أو الشيء نفسه عند عدم التمكن من تصريفه كما لو أودع المؤلف نسخا من مؤلفه لدى أحدى المكتبات ليتولى صاحب المكتبة بيعها مقابل أجر معين يستقطع من الثمن. استقرت أحكام المحاكم الفرنسية على ما قضت به محكمة النقض والابرام عام 1860 في قرار لها اعتبرت بموجبه العملية الواقعة بين تاجر الجملة وتاجر المفرد عقد بيع لأن من مقتضيات عقد الوديعة إلزام الودیع برد نفس العين المودعة. 

إلا إن الخيار الذي يملکه تاجر المفرد بین رد الثمن أو نفس العين يجعل هذه العملية عقد معلق على شرط. ويذهب بعض الشراح في مصر إلى اعتبار العملية بيعًا معلقًا على شرط فاسخ لأن العقد وأن كان يشبه الوديعة إلا إنه يختلف عنها في أن الوديع يلتزم برد الوديعة عينا بينما لصاحب المكتبة الحق في رد نسخ الكتاب أو ثمن ما باع منها بعد خصم حصته من الثمن، علاوة على ذلك فإن ملكية الكتب تنتقل إلى صاحب المكتبة، مع احتفاظه بحق العدول عن الشراء إذا لم يتم تصريف الكتب. والرأي الراجح هو الذي يستوجب تكييف العقد بحسب نية الطرفين المتعاقدين، وهذه النية يمكن استخلاصها من ظروف التعاقد وشروطه، فالعقد قد يكون بيعا ناجزًا أو معلقًا على شرط واقف أو فاسخ أو عقد وکالة بالبيع بحسب الأحوال.

 4. البيع والمقايضة : إذا كان الثمن مبلغًا من النقود فالعقد بیع، وإذا كان شيئا أخر من غيرالنقود فالعقد مقايضة. ولكن قد يصعب التمييز بينهما في بعض الحالات كما لو كان المقابل سبائك ذهبية أو اوراق مالية كالاسهم والسندات، حيث يلاحظ أن بعض الشراح يذهبون إلى إعتبار العقد بيعًا في هذه الحالة، لان هذا المقابل لیس مقصودًا لذاته بل النقود التي يمكن الحصول عليها عن طريقه، أما الرأي الراجح فيذهب إلى اعتبار العقد مقايضة، لأن المقابل وقت التعاقد ليس من النقود خاصة وأن القول بخلاف ذلك سيؤدي إلى إعتبار المقايضة بيعًا كلما أمكن تقييم أحد البدلين. ولكن ما الحكم إذا كان المقابل بعضه من النقود وبعضه من غير النقود؟ يذهب الرأي الراجح إلى وجوب أخذ نسبة النقود إلى قيمة المال الاخر بنظر الاعتبار، فإذا كانت النقود هي العنصر الغالب كان العقد بیعًا وإلا كان مقايضة. 

أما إذا كان المقابل نصفه من النقود والنصف الأخر من غير النقود فالعقد في هذه الحالة يعتبر عقدًا مركبًا من البيع والمقايضة. كما أن الرأي الراجح يذهب إلى اعتبار العقد بيعًا في حالة ما إذا كان المقابل ایرادًا مرتبا مدى الحياة، بداعي أن الثمن هو من النقود وأن کان مقدرًا على وجه احتمالي في صورة الإيراذ. وللتمييز بين البيع والمقايضة أهميته العملية. فالمادة 583 من القانون المدني تنص على أن (نفقات عقد البيع ورسوم التسجيل وغيرها من الرسوم واجرة كتابة السندات والصكوك وغير ذلك من المصروفات التي يقتضيها البيع تكون على المشتري، مالم يوجد إتفاق أو عرف بقضي بغير ذلك. في حين أن المادة 600 من نفس القانون تنص على أن (مصروفات عقد المقايضة وغيرها من النفقات الأخرى يتحملها المتقايضان مناصفة، مالم يوجد إتفاق يقضي بغير ذلك) لأن كل من الطرفين فيه بائع ومشترى في نفس الوقت .

5. البيع و الايجار : البيع يرمي إلى نقل ملكية المبيع إلى المشتري، بينما عقد الإيجار يقتصر على تخويل المستأجر صلاحية الانتفاع بالمأجور. ومع ذلك يصعب التمييز بينهما في الحالتين التاليتين :

أ. وقوع العقد على الثمار و الحاصلاتق؛ فقد يتفق الطرفان على تخويل أحدهما صلاحية جني ثمار الشيء وحاصلاته مدة معينة في مقابل عوض معين فهل يعتبر العقد في هذه الحالة بيع أم إنه عقد إيجار؟ أعتبر البعض العقد بيعًا إذا ورد العقد على الحاصلات لأن الحاصلات كالمعادن والفحم يقتطع من أصل الشي، أما إذا ورد العقد على الثمار فإنه يعتبر إيجارًا في هذه الحالة لأن الثمرات كمنتجات الأرض دورية تتجدد دون انتقاص من أصل الشيء. ولا يمكن الأخذ بهذا الرأي مطلقًا لأن ليس هناك من مانع يمنع المتعاقدين من بيع الثمار نفسها وهي ما تزال في الأرض، كما أنه لا مانع من أن يؤجر صاحب المنجم منجمه ليستغله المستاجر مقابل أجرة دورية. ويعتبر آخرون العقد بيعًا لا إيجار إذا كان حق المتصرف إليه يقتصر على أخذ الثمار الناضجة المعدة للنقل دون أن يكون له أي حق على الشيء الأصلي المنتج للثمار. أما اذا كان للمتصرف إليه القيام بالأعمال اللازمة لانضاج الثمار وحصدها إضافة لحقه في أخذها فالعقد يعتبر في الحالة الأخيرة ايجارًا لا بيعا. والرأي الراجع يقتضي أخذ قصد المتعاقدين بنظر الإعتبار عند تكييف العقد وللقاضي استخلاص هذا القصد من ظروف التعاقد، ولا يخضع في ذلك لرقابة محكمة التمييز. فمثلاً يمكن اعتبار ورود العقد على الحاصلات قرينة علی بيع لأن استخراجها ينتقص من أصل الشيء. كما يمكن اعتبار ورود العقد على أخذ الثمار قرينة على أن العقد ايجار لا بيع، لأن أخذ الثمار لا ينتقص من أصل الشي. وكل ذلك بشرط إلا يثبت من طرف آخر إن ارادة المتعاقدین قد اتجهت إلى غير ذلك.

ب. الايجار الساتر للبيع (البيع الإيجاري)؛ عقد بموجبه يتم إيجار مال معين لمدة معينة مقابل أجر معین، على أن ينقلب العقد بیعًا إذا وفى المستأجر بجميع التزاماته وفاءً تامًا. أختلف الفقه حول تكييف هذا العقد. فالبعض يعتبره بیعًا مستترًا معلقًا على شرط فاسخ هو إخلال المشتري بالتزامه في دفع الأقساط ويعتبره آخرون باطلاً لأنه يؤدي إلى خدع الجمهور، إذ أنه يوهمهم بأن حائز، المنقول يسير الحال فيقرضونه أموالاً قد تضيع عليهم لانه في الحقيقة غير ملي، ويری رأي ثالث بان العقد عقد مركب من البيع والإيجار، فهو بیع على شرط واقف وإيجار معلق على شرط فاسخ أما المشرع العراقي فيعتبره بیعًا على شرط واقف هو الوفاء بجميع اقساط الثمن م 534 من القانون المدني.

 6. البيع والقرض بفائدة : القرض (هو دفع عين معلومة مثلية تستهلك بالانتفاع بها على أن يرد مثلها (684م مدني). بينما البيع مبادلة مال بمبلغ من النقود إلا إن بعض المرابين قد يلجأون إلى التحايل على أحكام القانون الخاصة بالفوائد فيصورون القرض بفائدة على أنه عقد كما هو الحال في عقد (المهاترة) الذي بموجبه يشتري شخص بضاعة من شخص آخر بثمن مؤجل، ثم يبيعها إلى نفس البائع بثمن معجل یکون أقل من الثمن الذي اشتراها به ويقبض الثمن المعجل فورا ويظل مدينا بالثمن المؤجل وتعاد البضاعة إلى صاحبها الأول. إن العملية المزدوجة أعلاه ليست في الحقيقة إلا قرضًا بربا فاحش ولکن لجأ إليها المتعاقدين بقصد التحايل على أحكام القانون الخاصة بالفائدة القانونية. فالمشتري المزعوم وكأنه قد اقترض الثمن المعجل بفائده تعادل الفرق بين الثمنين المؤجل والمعجل، لذلك على القاضي إذا تبين له أن هذه هي نية الطرفين المتعاقدين تطبيق أحكام القرض و تخفيض الفوائد الفاحشة إلى الحد القانوني وفقا لاحكام المادتين 171 و 172 من القانون المدني.

 7. البيع والوفاء بمقابل : يتميز الوفاء بمقابل عن البيع من حيث انه يفترض وجود التزام سابق، في حين أن البيع عقد مستقل قائم بذاته . وعليه فصحة الوفاء بمقابل مرتبطة بوجود هذا الإلتزام. ومع ذلك يصعب التمييز بينهما في حالة ملكية شيء أعطي في مقابل دین، فهل يعتبر المدين بائعًا والدائن مشتريا؟ إن الوفاء بمقابل مزيج من التجديد والوفاء عن طريق نقل الملكية فهو يخضع لأحكام الوفاء لانه يؤدى إلى إبراء ذمة الدين ويخضع لأحكام البيع لانه بنقل ملكية المقابل الى الدائن كما تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري (399، 400 م مدني).

 8. البيع والمقاولة : أن المقاولة تنصب على العمل بينما ينصب البيع على الملكية ولكن الصعوبة تثور إذا تعهد المقاول بتقديم العمل والمواد معًا، فهل تعتبر العملية بيعًا أو مقاولة ؟ الرأي الراجح في الفقه يذهب إلى إعتبار العقد في هذه الأحوال عقد بيع اشیاء مستقبلة، إلا إذا كانت قيمة المواد المقدمة تافهة بالنسبة إلى عمل المقاول نفسه فالرسام الذي يتعهد برسم صورة لا يعتبر بائعًا للقطعة الخشبية أو لقطعة القماش التي يرسم الصورة عليها، لأن قيمة هذه المواد تعتبر تافهة إذا ما قورنت بقيمة العمل الذي يقدمه، وكذلك الحكم إذا تعهد المقاول بإقامة بناء على أرض مملوكة لرب العمل بأدوات من عنده، لأن قيمة هذه الأدوات ثانوية بالنسبة لقيمة الأرض. أما إذا كانت الأرض ملكًا للمقاول الذي تعهد بإقامة البناء بأدوات من عنده فالعقد يعتبر في هذه الحالة بيعًا للأرض في حالتها المستقبلية. أي بعد ان يقام عليها البناء. 

أما إذا تقاربت قيمة المواد الأولية وقيمة العمل، فالعقد يكون في هذه الحالة مزيجًا من بيع ومقاولة على حسب الرأي الراجح في الفقه ولايثور الخلاف في ظل التشريع العراقي، لأنه يسمح بأن يتعهد المقاول بتقديم العمل والمادة معا (865,864/2 م مدني). 

9. البيع والوكالة : الوكالة عقد ينصب على عمل (927 مدني)، أما البيع فينصب نقل ملكية أو حق عيني، ومع ذلك قد تثور الصعوبة عند التمييز بين البيع وبين ما يدعى بعقد التوزيع الذي بموجبه تسلم أحد الطرفين بضاعة معينة لبيعها بثمن معين يؤدي إلى صاحب البضاعة أو منتجها، على أن يكون له الحق في أن يرد للمالك أو المنتج ما يتبقى من البضاعة دون بيع. فهل يعتبر العقد بیعًا أم وکالة؟ الرأي الراجح يذهب إلى إن العبرة هنا تكون بقصد الطرفين المتعاقدين فإذا تبين من ظروف التعاقد وملابساته إن نية الطرفين متجهة إلى أن ينقل المالك حقه إلى المتعاقد الاخر بحيث يصبح الاخير مالكًا حقيقيًا لهذا الحق فالعقد هنا بیع وإلا فهو وكالة ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في هذا الصدد ،ولا يخضع في ذلك إلى رقابة محكمة التمييز.


- الكتاب : الموجز في العقود المسماة - عقد البيع. 
- المؤلف : د. سعيد مبارك. 
- الصفحة : 14 - 21.
اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً