تعد المعاهدات والإتفاقيات الدولية مصدرًا من مصادر المشروعية في الدولة شريطة أن يتم التصديق عليها من السلطة المختصة وفقًا للإجراءات القانونية, إذ أنها بعد التصديق عليها تصبح جزءًا من القانون الداخلي للدولة ومن ثم يلتزم الأفراد والسلطات العامة جميعًا بإحترامها والنزول عند أحكامها.
وتختلف القيمة القانونية للمعاهدات والإتفاقيات الدولية من دولة لأخرى, ففي حين تعد في بعض الدولة كفرنسا في مرتبة أعلى من مرتبة القوانين العادية, فقد نصت المادة (26) من الدستور الفرنسي لسنة 1946, وكذلك المادة (55) من الدستور الفرنسي لسنة 1958 على أن ((المعاهدات والاتفاقات المصدق عليها وفقًا للقانون يكون لها اعتبارًا من وقت نشرها قوة أعلى من القوانين...)), فأن دولاً أخرى تجعلها في مرتبة هذه القوانين فحسب كما هو الحال في بعض الدساتير المصرية, فالمادة (143) من الدستور المصري لسنة 1956, وكذلك المادة (125) من الدستور المصري المؤقت لسنة 1964 على أن ((رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات, ويبلغها مجلس الأمة مشفوعة بما يناسب من البيان, وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقًا للأوضاع المقررة...)) ولم يخرج الدستور المصري لسنة 1971 عن هذا الإتجاه.
وفي العراق فلم تتضمن الدساتير العراقية المتعاقبة نصًا صريحًا يحدد القيمة القانونية للمعاهدات والاتفاقيات الدولية, واكتفت تلك النصوص ببيان كيفية التصديق عليها والجهة التي تملك صلاحية التصديق. فقد نصت المادة (26) من القانون الأساسي لسنة 1925 على أن ((الملك يعقد المعاهدات بشرط أن لا يصادقها إلا بعد موافقة مجلس الأمة)). ويذهب اتجاه غير قليل في الفقه الدستوري العراقي إلى أن القانون الأساسي لسنة 1952 كان صدىً للمعاهدة العراقية البريطانية لسنة 1922 ووضع من وحيها, فما تضمنته المادة (3) من هذه المعاهدة قد أثر بصورة جلية في إقامة دستور العراق الملكي لسنة 1925 وفي وضع أسسه العامة, حتى أن هذا التأثير إمتد ليصل على درجة تعيين بعض المبادئ الدستورية التي ذكرت في صلب الوثيقة الدستورية وفي مقدمتها تلك النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات العامة. ولا شك بأن هذا الإتجاه يقود إلى الأعتراف للمعاهدات الدولية بقيمة قانونية ترقى على مصاف النصوص الدستورية ذاتها بل وتعلو عليها.
وتنص المادة (80/سادسًا) من الدستور العراقي لسنة 2005 على أن مجلس الوزراء يمارس ((التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله)). كما وتنص المادة (61/رابعًا) على أن يختص مجلس النواب بـ ((تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية, بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب)). في حين تنص المادة (73/ثانيًا) على أن يتولى رئيس الجمهورية ((المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية, بعد موافقة مجلس النواب ويعد مصادقًا عليها بعد مضي خمسة عشر يومًا من تاريخ تسلمها)).
ويمكن القول أنه على الرغم من عدم وجود نص في الدساتير العراقية يحدد القيمة القانونية للمعاهدات والإتفاقيات الدولية, إلا أن ما نصت عليه تلك الدساتير بشأن بيان كيفية التصديق على تلك المعاهدات والإتفاقيات والجهة المخولة بالتصديق يؤشر إلى إتجاه المشرع الدستوري لوضعها في منزلة القوانين العادية إن لم يكن في منزلة أعلى من هذه القوانين.
- المؤلف : د. وسام صبار العاني.
- الصفحة : 15 - 17.