المسائل الجوهرية في عقد البيع هي طبيعة العقد والمحل (المبيع والثمن)، لذلك ينبغي لأنعقاد عقد البيع تراضي الطرفين على هذه المسائل ولما كان التراضي على هذه المسائل تخضع لأحكام التراضي على المسائل الجوهرية في النظرية العامة للعقد فنكتفي هنا بالإحالة إليها.
على إنه ينبغي هنا الإشارة إلى حالة خاصة بعقد البيع وهي حالة ما إذا أراد البائع البيع بثمن معين فقبل المشتري الشراء بثمن أعلى أو عرض المشتري ثمنًا فقبل البائع بثمن أقل فما الحكم في هذه الحالة؟. تأخذ مجلة الأحكام العدلية بأساس مطابقة القبول للإيجاب ضمنا، وهذه المطابقة الضمنية تتحقق إذا كان الإيجاب يدخل ضمن القبول. ويترتب على ذلك إنه لو طلب البائع الف دينار كثمن للمبيع ووافق المشتري على الشراء بألف وخمسمائة دينارًا، نعقد البيع على الألف دينار، لان إيجاب البائع دخل ضمن قبول المشترى فتتحقق المطابقة الضمنية. إلا إن المشتري يلتزم بالمبلغ الذي عرضه، إذا قبل البائع الزيادة في المجلس، لأن كلام المشتري في هذه الحالة يعتبر إيجابًا جديدًا وكلام البائع قبولًا فينعقد البيع بالثمن الأخير. وكذلك الحكم فيما لو قال المشتري اشتريت منك هذا المال بألف دينار فقبل البائع بثمانمائة دينار فإن العقد ينعقد بالثمن الأخير، ويلزم تنزيل المائتين من الالف (المادة 78 من المجلة).
ويذهب الفقيه الفرنسي "بوتيه" إلى القول بأن العقد ينعقد بالثمن الأقل، لأن المشتري وقد قبل بثمن أعلى من الثمن الذي يطلبه البائع يعتبر راضيًا بأن يشتري بالثمن الأقل من باب أولى. ولكن يرد على هذا الرأي بالقول إنه كما يمكن القول بأن المشتري الذي يقبل الشراء بالثمن الأعلى فهو يقبل بالثمن الأقل، فإنه يمكن القول كذلك بأن البائع الذي يرضى بالثمن الأقل الذي يعرضه فإنه يقبل بالثمن الأعلى من باب أولی. وكنتيجة لهذا الانتقاد حاول أنصار هذا الرأي تعلیل انعقاد البيع بالثمن الأقل باللجوء إلى القواعد العامة التي تقضي بأن الشك في الإلتزامات يفسر في صالح المدين، فالمشتري هو المدين بإداء الثمن فيجب أن يفسر الشك لمصلحته، وتقضي مصلحة المشتري بإلزامه بالثمن الأقل. ويميز فريق آخر بین حالة ما إذا زاد المشتري في الثمن الذي طلبه البائع أو إذا أنقص البائع في الثمن نتيجة وقوعه في الغلط، وحالة ما إذا زاد المشتري في الثمن أو انقص البائع فيه وهو على بينة من الأمر. ويقررون انعقاد البيع بالثمن الاقل في الحالة الأولى، وعلى الثمن الأعلى في الحالة الثانية لأن الحل الأصلح للملتزم بالثمن، وهو المشتري هو الذي ينبغي أن يؤخذ به في الحالة الأولى. وهذا الحل يقتضي، إنعقاد البيع بالثمن الأقل، أما في الحالة الثانية فالبيع ينعقد على الثمن الأعلى لأن زيادة المشتري في الثمن تعتبر تعدیلاً لإيجاب البائع وبالتالي يصبح قبول المشتري إيجابًا جديدًا موجها للبائع بالثمن الأقل ولا يحتاج لانعقاده إلى قبول المشتري، بل يعتبر سكوته في حكم القبول لأن الإيجاب الجديد نافع له نفعا محضًا، وكذلك الحكم فيما لو قبل البائع البيع بثمن أقل وهو على بينة من أمره، إذ إن قبول البائع في هذه الحالة يعتبر إيجابا جديدًا موجهًا إلى المشتري، ويعتبر الأخير قابلًا له بسكوته لأن الإيجاب الجديد تمخض لمصلحته.
ويذهب رأي عندنا إلى عدم انعقاد العقد في مثل هذه الأحوال لانه يشترط أن يطابق القبول الإيجاب في جميع المسائل التي يتناولها، فإذا لم تتحقق هذه المطابقة أنزل القبول منزل الإيجاب واصبح مفتقرا إلى قبول، والسبب في هذا إن قاعدة التطابق يجب الأخذ بها على إطلاقها، فلو رضي المشتري بثمن يزيد على ما يطلبه الموجب أو قبل البائع ثمنا يقل عما يعرضه المشتري. لم تتحقق المطابقة القانونية، وإن وجدت المطابقة الحسابية في الأقل بين القيمتين، لأنه إذا وقع الإختلاف في نطاق ما انصرف إليه القبول من عناصر التعاقد بما هو في مصلحة الموجب انتفت مطابقة القبول للإيجاب قانونا. وهذه هي المطابقة المطلوبة وفقًا للمادة 85 من القانون المدني.
وخلاصة الرأي أعلاه هي أنه إذا قبل المشتري الشراء بثمن أعلى من الذي طلبه البائع لا تتحقق المطابقة المطلوبة في المادة 85 من القانون المدني العراقي ويصبح قبول المشتري إيجابا جديدًا مفتقرًا إلى قبول البائع ومن ثم لا ينعقد البيع لا على الثمن الأقل ولا على الثمن الأعلى.
وينتقد البعض هذا الرأي لأنه يأخذ حكم المادة 85 من القانون المدني العراقي بمعزل عن بقية نصوص هذا القانون وخاصة نص الفقرة الثانية من المادة 81 التي تنص على أنه (يعتبر السكوت قبولاً بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه، وكذلك يكون سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولاً لما ورد في قائمة الثمن من شروط). إذ بالجمع بين المادتين 81 و 85 من القانون المدني العراقي يمكن القول بأنه إذا زاد المشتري في الثمن الذي طلبه البائع أو انقص البائع من الثمن الذي عرضه المشتري فإن ذلك يعتبر إيجابا جديدًا، فإذا صادف هذا الإيجاب سكوتًا من الطرف الآخر فإن هذا السكوت بمكن اعتباره قبولا لتمخض هذا الإيجاب لمصلحة الساکت، ولا يوجد فرق بين هذين الرأيين فكلاهما يعتبر قبول المشتري بثمن أقل وقبول البائع بثمن أقل إيجابا جديدًا يفتقر إلى قبول، والقبول قد يكون صريحًا أو ضمنيًا أو عن طريق السكوت في الحالات الواردة في المادة 81 ومنها حالة تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه.