بالرغم من أن نظرية أعمال السيادة هي نظرية قضائية، جاءت وليدة جهود القضاء الإداري الفرنسي إلا أن مصدرها في مصر هو التشريع وليس القضاء. حيث ورد النص على حصانة أعمال السيادة لأول مرة عند تعديل لائحة ترتيب المحاكم المختلطة سنة 1900، ووضع في تعديل لائحة ترتيب المحاكم الأهلية سنة 1937. وكان النص يقرر أنه ((ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة))
ثم نقل هذا النص حرفيًا إلى المادة (18) من قانون نظام القضاء رقم (147) لسنة 1949. وقد دأب المشرع المصري على النص على حصانة أعمال السيادة في جميع القوانين المنظمة لمجلس الدولة. وقد ورد النص على حصانة أعمال السيادة في قانون مجلس الدولة لسنة 1946، وفي قانون مجلس الدولة لسنة 1949 (م7) على النحو الآتي : " لا تقبل الطلبات الآتية : ا- الطلبات المقدمة عن القرارات المتعلقة بالأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بمجلسي البرلمان، وعن التدابير الخاصة بالأمن الداخلي والخارجي للدولة، وعن العلاقات السياسية، أو المسائل الخاصة بالأعمال الحربية، وعلى العموم سائر الطلبات المتعلقة بعمل من أعمال السيادة".
ويلاحظ على هذا النص أنه يورد طائفة من أعمال السيادة، لا على سبيل الحصر بل على سبيل المثال. لكن المشرع المصري إنتهج مسلكًا أخر في القوانين التالية المنظمة لمجلس الدولة فإستبدل النص السابق بنص آخر مفاده ((لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة)).
والنص الأخير لا يقيد، سلطة القاضي، ويتيح فرصة أكبر للحد من أعمال السيادة والتضييق من دائرتها.
ومن جهة أخرى فقد جرى المشرع، في القانونين الأول والثاني المنظمين لمجلس الدولة المصري لسنة 1946 ولسنة 1949، على استعمال اصطلاح عدم قبول الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، بينما حرص في القوانين التالية على استعمال اصطلاح عدم اختصاص مجلس الدولة بنظر تلك الطلبات، ولا شك أن ما انتهى إليه المشرع المصري هو الصحيح لأن المشكلة التي تثور بشأن أعمال السيادة هي مشكلة الاختصاص أو عدم الاختصاص بنظر الطعون والدعاوى الموجهة ضد طائفة من القرارات والتصرفات التي تصدر من السلطة التنفيذية، وفيما إذا كانت هذه الطعون والدعاوی تدخل في ولاية القضاء أم تخرج منها في حين أن مشكلة القبول إنها تثور بصدد شروط خارجة عن موضوع الدعوى وسابقة على الفصل في محل النزاع. وقد توسع مجلس الدولة المصري قبل إنشاء المحكمة العليا سنة 1969 في مفهوم أعمال السيادة، فكان يضفي صفة السيادة على كل عمل يعده المشرع كذلك، حتى لو لم تكن طبيعته توحي بذلك، ولعل لتبنيه آنذاك لمعيار الباعث السياسي في تحديد أعمال السيادة ما يفسر ذلك.
لكن إنشاء المحكمة العليا، ثم المحكمة الدستورية العليا التي حلت محلها في سنة 1979، قاد إلى تبني معيار طبيعة العمل الذاتية أو الموضوعية في تحديد أعمال السيادة، فكان القضاء الإداري يرفض عد العمل من أعمال السيادة لمجرد أن المشرع قد أضفى عليه هذا الوصف، وبناء عليه رفض عد قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين إلى التقاعد أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي، من أعمال السيادة بالرغم من نص المشرع على عدها كذلك، وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري في مصر " ينبغي اللجوء بشان ما أصدره رئيس الجمهورية استنادًا إلى المادة (74) من الدستور إلى المعيار السائد فقهًا وقضاءً في التمييز بين أعمال السيادة و أعمال الإدارة وهو معیار طبيعة العمل المتخذ، وبحسب هذا المعيار فإن أعمال السيادة هي الأعمال التي تصدر من السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، فإذا كانت صادرة منها باعتبارها حكومة كانت أعمال سيادة، أما إذا كانت صادرة منها باعتبارها (إدارة) كانت أعمال إدارية، وإن الأعمال الأخيرة لا يغير من طبيعتها الإدارية استناد رئيس الجمهورية في إصدارها إلى المادة (74) من الدستور حتى لو كان الباعث عليها سياسيًا.
ومن المعلوم أن المادة (74) من الدستور المصري لسنة 1971 والتي تقابل المادة (16) من الدستور الفرنسي، تمنح رئيس الجمهورية في حالات الخطر سلطة إتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ويوجه بيانا إلى الشعب ويجري الاستفتاء على ما أتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها.