جريمة الانتفاع من الاشغال أو المقاولات أو التعهدات في القانون العراقي - المرشد القانوني

جريمة الانتفاع من الاشغال أو المقاولات أو التعهدات في القانون العراقي

نصت المادة (319) من قانون العقوبات على هذا الحريمة بالصيغة الآتية (انتفاع الموظف أو المكلف بخدمة عامة مباشرة أو بالواسطة من الأشغال أو المقاولات أو التعهدات التي له شأن في إعدادها أو إحالتها أو تنفيذها أو الإشراف عليها أو حصوله على عمولة لنفسه أو لغيره من ذلك) ويتضح من هذا النص إن الجريمة لها متطلبات لتحققها كما إن المسؤولية الجزائية عنها تتطلب عناصر معينة.

 المتطلبات الموضوعية

إن هذه الجريمة لا تحقق إلا بتوافر صفة معينة لدى الفاعل كما أنها تقتضي أفعلاً معينة لتحققها.


أولاً: صفة الفاعل 

إن جريمة الانتفاع لا تتحقق إلا إذا كان الفاعل بصفة موظف أو مكلف بخدمة عامة له شأن في الاشغال أو المقاولات أو التعهدات سواء في اعدادها أو إحالتها أو تنفيذها أو الاشراف عليها. إذًا مرتكب الجريمة ليس أي موظف عادي أو مكلف بل أن يكون مختصًا بأعمال الأعداد أو التنفيذ أو الأشراف على الأعمال المذكورة ولا يشترط في ذلك أن يكون وحده مختص بجميع أعمال الأعداد أو التنفيذ أو الأشراف على الاعمال المذكورة وإنما يكفي أن يكون له نصيب بجزء من هذا الاختصاص, وذلك عبارة (له شأن) الواردة في النص تفيد هذا المعنى. ويكون للموظف أو المكلف شأن في المقاولات في حالة اختصاصه في إعداد شروط المقاولة أو إبرام العقد مع المتعهد أو مراقبة تنفيذ العقد, علمًا إن عقد المقاولة يتحول إلى عقد من عقود الأشغال فيما إذا أبرمه أحد أشخاص القانون العام وكان له صلة بالمرفق العام.

أما التعهدات فيكون الموظف مختصًا جزئيًا في إبرام عقود التوريد أو في تنفيذ هذه العقود علمًا إن التوريد موضوعه منقولات. ويقتضي توافر هذه الصفة وقت ارتكاب الفعل المحقق للجريمة أي النشاط الذي يحصل الفاعل من وراءه على منفعة لنفسة أو لغيره, وعليه فالجريمة لا تتحقق إذا لم يكن الموظف أو المكلف له شأن في الأشغال او المقاولات أو التعهدات وقت ارتكاب الفعل.


ثانيًا: نشاط الجاني

إن الجريمة تتحقق بأي نشاط يقوم به الموظف أو المكلف من خلال إسهامه في الأشغال أو المقاولات أو التعهدات, ويحصل على منفعة, أو على عمولة لنفسه أو لغيره من وراء ذلك, ويتحقق أما بصورة التفاوض مع المقاول أو المتعهد أو بالإسهام مع المتعهد أو الدخول في مناقصة لإحالة مقاولة باسم شخص معين, أو الاتفاق مع المقاول على نسبة معينة من الربح إن أحيلت عليه المقاولة. وجريمة الانتفاع تتحقق سواء حصل الفاعل (الموظف أو المكلف) على الفائدة أو العمولة لنفسه أو لغيره  ويستوي في ذلك أن يكون حصوله عليها بطريق مباشر "كاشتراك مهندس الدائرة مع المقاول في شراء مواد البناء, أو اشتراك مدير المستشفى مع المورد في توريد الأدوات الجراحية أو الأغذية للمستشفى) أو بطريق غير مباشر أي بواسطة شخص آخر "كأن يكلف الموظف شخصًا آخر بأن يحصل من المقاول مبلغ من المال أو كمية من الاسمنت أو كما في حالة تدخل وسيط يعمل لحساب الموظف في الأعمال المكلف بها "كأن يتفق موظف  مسؤول عن بيع المنقولات مع شخص على أن يدخل في مزاد ويرسي المزاد على هذا الشخص لحساب الموظف أي بشكل صوري.

بيد إنه يتعين أن تكون المنفعة غير المشروعة التي حصل عليها الموظف أو المكلف هي ثمرة تدخله في أي عمل من أعمال وظيفته حسب اختصاصه وما مقرر قانونًا, ولكن القانون لا يتطلب في هذه الجريمة وقوع ضرر, بمعنى أن الضرر لا يعد من ماديات الجريمة فيكفي لقيامها مجرد احتمال الضرر وعليه فالجريمة تقون وأن لم يترتب على فعل الجاني حصول ضرر للمصلحة العامة.

هذا وقد تقع الجريمة بطريق إيجابي كما في حالة قيام الموظف المختص بالأشراف على الأغذية في قسم داخلي للطلبة أو المستشفى ويشترك مع المتعهد في توريدها, وكذلك في حالة  الموظف المكلف بشراء بعض الأدوات لحساب الجهة التي يعمل لديها فيشتريها من محل هو شريك فيه, وكذلك حالة الموظف الذي يتصرف بأموال المشروع الذي بعهدته كونه المشرف على هذا المشروع وذلك بقصد الانتفاع منها.

كما إنه من الممكن أن تتحقق الجريمة بطريق الامتناع, فالمشرع عندما يوجب على الموظف التفرغ لوظيفته ولعمله الوظيفي من أجل تحقيق المصلحة العامة, فإن ذلك يعني إلزامه بعدم مخالفة هذا الواجب وبخلاف ذلك فإنه قد يكون ارتكب هذه الجريمة بالامتناع عن القيام بواجبه الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة, كما في حالة دخول الموظف في عملية تجارية تحت اسم مستعار ثم آحيل إليه بعد ذلك مهمة الأشراف أو الإدارة عليها, فإنه بامتناعه عن التنحي عن هذه المهمة تقع بموجبة الجريمة الإيجابية بطريق الامتناع. ومن الجدير الذكر إن جريمة الانتفاع يمكن أن تقف عند حد الشروع كما لو نوى مهندس الدائرة بالاشتراك مع مقاول المباني في شراء مواد البناء ويبدأ بتنفيذ ذلك عن طريق اشتراكه في هذا العمل ولكن يلقى القبض عليه قبل قيامه بالشراء أو بالانتفاع من ذلك.


المتطلبات المعنوية

إن جريمة الانتفاع من الاشغال أو المقاولات أو التعهدات هي من الجرائم العمدية, لذا فأن المسؤولية الجزائية عنها تتطلب توافر القصد الجرمي العام لدى الفاعل, والذي يتجسد في علم الفاعل (الموظف أو المكلف) بأن له شأن في الأشغال أو المقاولات أو التعهدات, أي كونه مختصًا ولو بجزء منها وعليه فإذا جهل بأنه مختص بهذا العمل المفروض عليه فإن هذا يمكن اعتباره عذرًا لأنه جهل بقانون غير عقابي, وكذلك الحال إذا جهل بأنه موظف فهذا يعد جهلاً بالواقع ومن ثم يمكن اعتباره عذرًا ينتفي به القصد الجرمي.

كما يتعين انصراف علم الجاني إلى جميع عناصر الجريمة الأخرى, ومنها أن يعلم بأن فعله من شأنه أن يؤدي إلى حصوله على منفعة غير مشروعة سواء لنفسه أو لغيره. إضافة إلى العلم يتعين اتجاه إرادة الفاعل إلى الحصول على المنفعة أو العمولة لنفسه أو لغيره, ولكن لا يشترط في هذه الجريمة اتجاه إرادة الفاعل إلى الاضرار بمصلحة الدولة أو المؤسسة التي يعمل لديها. وبناء على ما تقدم فإن القصد الجرمي ينتفي وتنتفي مسؤولية الموظف أو المكلف عن الجريمة إذا انتفى لديه العلم بأحد عناصر الجريمة أو انتفى لديها الاتجاه الإرادي كما لو كان يعتقد أن فعله يحقق المصلحة العامة.


عقوبة الجريمة

إن المادة (319) من قانون العقوبات العراقي النافذ نصت على عقوبة هذه الجريمة إلا وهي السجن لمدة لا تزيد على (10) سنة أو الحبس, إضافة إلى ذلك تفرض على الفاعل العقوبات الواردة في المادة (321) من قانون العقوبات العراقي. ويتضح من العقوبة المنصوص عليها إن هذه الجريمة هي من وصف الجناية.


ينظر: الأستاذ جمال إبراهيم الحيدري, شرح أحكام القسم الخاص من قانون العقوبات, بيروت, 2015,رقم الإيداع  دار الكتب والوثائق  ببغداد 1948, لسنة2013, ص(117-121).

اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً