المتطلبات الموضوعية
ان تحقيق هذه الجريمة يتطلب أولاً صفة خاصة بالفاعل ومن ثم تحقق احدى الصور الثلاث المنصوص عليها في (م320) والتي تمثل نشاط الفاعل.
أولاً: صفة الفاعل
إن هذه الجريمة لا تحقق إلا إذا كان الفاعل يحمل صفة الموظف أو المكلف بخدمة عامة وله شأن في استخدام العمال, أي هو مختص ولو بجزء من الاختصاص في استخدام العمال أو ما يتعلق بوظيفته مثل (مدير البلدية).
ثانيًا: نشاط الجاني
إن جريمة الانتفاع من استخدام العمال تحقق بإحدى الصور الثلاث المنصوص عليها في المادة (320 ق ع) فكل صورة منها تجسد النشاط الذي يقوم به الفاعل وهي حسب الإيضاح الآتي :
الصورة الأولى : تتمثل في احتجاز الموظف أو المكلف بخدمة عامة جميع أو بعض ما يستحقه العمال من أجور, ويتضح من ذلك ان هذه الصورة تتمثل بالانتفاع المادي مع حرمان العمال أجورهم كليًا أو جزئيًا. وأن وقت تمام الجريمة معلق على إتمام العمال للعمل واستحقاقهم للأجور, ثم امتناع الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن دفع الأجور على أن يكون هذا الامتناع غير مشروع أي لا يستند لا مبرر قانوني. ويتضح من ذلك ان الجريمة وفق هذه الصورة تحقق بنشاط سلبي يتمثل في امتناع الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن إعطاء الأجور المستحقة للعمال, والنتيجة المترتبة على ذلك هي حرمان العمال من مستحقاتهم وخلق حالة عدم ثقة العمال بالدولة, وعلى أساس طبيعة هذه الصورة لا يتصور الشروع فيها فهي اما تحقق وتقع كاملة أو لا تحقق أي لا تقع اصلاً, لان وقت تمامها معلق على انتهاء العمل واستحقاق الأجر, فإذا امتنع الموظف أو المكلف عن إعطاء الأجر كله أو بعضه تحققت الجريمة.
الصورة الثانية : تتمثل هذه الصورة في استخدام الموظف أو المكلف بسخرة العمال أي بدون أجر ويأخذ أجورهم لنفسه, ويقصد بالسخرة تكليف العمال للقيام بعمل دون رضاتهم وبغير مقابل استنادًا إلى سلطان الوظيفة. فسخرة هنا تحقق باجتماع عنصرين وهما عنصر الاكراه على أداء العمل استنادًا إلى سلطان الوظيفة وعنصر العمل بدون مقابل. والنتيجة هي انصياع العمل له واستغلال جهودهم. إذًا فالجريمة تحقق بمجرد استجابة العمال للموظف بالعمل بدون أجر على أن يأخذ الموظف أجور العمال لنفسه. ومن الجدير بالكر إن الشروع في هذه الصورة امر متصور وذلك إنه إذا بذل الفاعل "الموظف أو المكلف" كل ما في وسعة من أجل أن يحمل العمال على العمل دون مقابل, ولكنه يخيب أثره في ذلك أو تتدخل السلطات لوقف تنفيذ الأمر قبل بدأ العمال بالعمل, ويتضح مما سبق أن هذه الصورة تتمثل في الانتفاع المادي مع حرمان العمال من أجورهم جزئيًا أو كليًا.
الصورة الثالثة : وتحقق في حالتين هما
1. أن يقيد الموظف أو المكلف أسماء وهمية, أي يقوم بتسجيل أسماء لا وجود لها في السجلات وثبت استلامهم للأجور عن اعمال تتعلق في الوظيفة ثم يقوم بأخذ الأجور لنفسه.
2. أن يسجل الموظف أو المكلف أسماء حقيقية في السجلات ويذكر أنه قام بتسديد أجورهم ثم يأخذ الأجور لنفسه أو يدفعها لهم مع احتسابها على الدولة أو المؤسسة أو الهيئة التي يعمل بها.
ويلاحظ إنه في الحالتين إن الموظف أو المكلف كان يقصد الاستيلاء على الأجور لنفسه أو للعمال دون أن يؤدي أي عمل للدولة. ويتضح من ذلك أن هذه الصورة تتمثل في الانتفاع المادي والإضرار بالحكومة. وما نلاحظه بصدد هذه الصورة إنه في الحالة الأولى يقوم الجاني بفعل التزوير بقصد اختلاس الأجور وبذلك نكون أمام حالة التعدد الحقيقي المرتبط بوحدة الغرض فتخضع لحكم المادة (142 ق ع).
أما في الحالة الثانية فإن الواقعة تتمثل في الاستيلاء على الأجور أو تسهيل الاستيلاء للغير بمعنى إن هذه الحالة تخضع لحكم م(316 ق ع) وعلى أيه حال فان الشروع غير متصور في هذه الصورة إذا اكتشفت الجهة المعنية ذلك. أي وهمية الأسماء أو عدم وجود عمل منجز للدولة لتعطي مقابلاً له, ويتضح مما سبق بيانه إن الجريمة وفقًا للصورة الأولى تتحقق بنشاط سلبي, أما في الصورتين الثانية والثالثة فإنها تحقق بنشاط إيجابي.
المتطلبات المعنوية
إن هذ الجريمة من الجرائم العمدية لذا فالمسؤولية الجزائية عنها تتطلب توافر القصد الجرمي, لكن هذا القصد يختلف بحسب صور ماديات الجريمة المذكورة انفًا, فبالنسبة إلى الصورة الأولى يتجسد القصد الجرمي بعلم الفاعل بصفته موظفا له شأن في استخدام العمال مع علمه بأن فعله سوف يؤدي إلى حرمان العمال من أجورهم التي يستحقونها دون مبرر قانوني, وعليه ينتفي القصد الجرمي إذا اعتقد الفاعل بوجود مبرر لحرمان العمال من أجورهم كليًا أو جزائيًا حتى لو كان اعتقاده نتيجة جهله بقواعد قانونية غير عقابية. واضافة إلى العلم يتعين انصراف إرادة الفاعل إلى احتجاز أجور العمال اللذين استخدمهم كليًا أو جزئيًا مع أتجاه ارادته إلى حرمان العمال من جميع أو بعض أجورهم.
أما الصورة الثانية فيتجسد القصد الجرمي فيها في علم الفاعل بأن له شأن في استخدام العمال, وعلمه بالفعل المتمثل بإصدار الأمر إلى العمال بأداء العمل, مع علمه بأن ذلك يؤدي إلى استغلال جهودهم وحرمانهم من حقهم في الأجر وإضافة إلى العلم يتعين انصراف إرادة الفاعل إلى اصدار الأمر بالزام العمال بالعمل دون اجر مع اتجاه ارادته إلى استغلال جهود العمال مع حرمانهم من الاستفادة من أجور جهودهم.
أما إذا كانت إرادة الفاعل منصرفة إلى إعطاء الأجر للعمال ولكنه بعد ذلك غير نيته واستولى على الأجور, فهذه الحالة تدخل ضمن الصورة الأولى المتمثلة باحتجاز أجور العمال.
أما بالنسبة إلى الصورة الثالثة فالقصد الجرمي يتجسد بعلم الفاعل بأنه يثبت أمورًا مخالفة لحقيقية في السجلات الحكومية مع اتجاه إرادته إلى الاستيلاء على الأجور التي لم تدفع للعمال الوهميين أو الحقيقيين, أو اتجاه ارادته إلى دفع الأجور للعمال الذين لم يقوموا بأي عمل لمصلحة الدولة وقيامة بالاستيلاء على هذه الأموال وقيامه بتدوين هذه الأسماء الوهمية أو الحقيقية من أجل الانتفاع المادي من أموال الدولة وإلحاق الضرر بها.
وبناءا على ما تقدم فإن المسؤولية الجزائية عن هذه الجريمة تتحقق بتوافر القصد الجرمي حسب صورة النشاط المرتكب من قبل الفاعل, وعليه إذا انتفى القصد الجرمي سواءً بانتفاء العلم أو بانتفاء الاتجاه الإرادي تنتفي مسؤولية الموظف أو المكلف عن الجريمة.
عقوبة الجريمة
نصت المادة (320) من قانون العقوبات العراقي على عقوبة جريمة الانتفاع من استخدام العمال إضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في المادة (321) من القانون المشار إليه يتضح بأن هذه الجريمة من وصف الجنايات.