ب- وقد يقصد به المحكمة أي التنظيم الوظيفي الذي يباشر من خلاله القاضي وحده أو مع غيره مهمة القضاء. أي الوحدة التي تعمل الدولة من خلالها على منح الحماية القضائية. وهذا ما يظهر لنا أهمية الدور الذي يتبوأه القاضي, ولهذا من اللازم أن نبحث في اختيار القاضي وواجباته.
طرق اختيار القاضي في نطاق الشريعة الإسلامية
الأصل أن الخليفة هو الذي يعين القاضي, لأن القضاء في الأصل من واجبات الخليفة. وقد قال الفقهاء أنه يجب على الخليفة اختيار الكفء الصالح لمنصب القضاء, فإذا كان يعرف صلاحه وكفاءته استند إلى علمه الشخصي بذلك, وإلا قام بسؤال أهل العلم عن ذلك, وللخليفة أن يتأكد من كفاءة من أشاروا به عليه, فله أن يحضره أمامه ليسأله ما يشاء من الأسئلة ليتأكد من علمه ومعرفته بأمور القضاء وله أن يسأل عن عدالته, فإذا فرغ من كل هذا واطمأن أصدر أمره بتعينه قاضيًا. وشروط تولي القضاء في الشريعة الإسلامية هي:
1. أن يكون عاقلاً بالغًا, فأي عارض في العقل يكون مانعًا من تولي القضاء.
2. الإسلام, الراجح في الفقه الإسلامي أنه لما كان القضاء ولاية والولاية من غير المسلم على المسلم لا تجوز فلا يجوز قضاؤه, ثم إن القاضي يطبق أحكام الشرع وهو دين يلزم الإيمان به وغير المسلم لا يؤمن به, وعليه فلا تجوز ولاية القضاء لغير المسلم.
3. العدالة, يشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون عادلاً, ويكون كذلك إذا امتنع عن الكبائر ولم يصر على الصغائر, وأن يكون مترفعًا عن كل ما يقدح من مروءته.
4. الاجتهاد, لما كان القاضي يلزم أن يحكم بما أنزل الله بقرار ملزم وما أنزل الله لا يعلمه ولا يفقهه إلا المجتهد.
5. الذكورية, وهي شرط عند جمهور الفقهاء, ولكن هذا الأمر محل خلاف بين الفقهاء, فذهب الظاهرية إلى جواز قضاء المرأة في كل الأمور دون قيد, بينما ذهب فقهاء الحنفية إلى جواز أن تكون المرأة قاضية في غير الحدود والقصاص.
6. سلامة الحواس, اشترط المسلمون سلامة الحواس لدى من يراد تعينه قاضيًا, فقالوا يجب أن يكون متكلمًا سميعًا بصيرًا لأن الأخرس لا يمكنه النطق ولا يفهم جميع الناس إشارته, والأصم لا يسمع قول الخصمين, والأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه.
طرق اختيار القاضي في القوانين الوضعية
تختلف التشريعات في الوقت الحاضر من حيث أختيار القضاة بين طرق متعددة فهي تختلف من بلد لآخر باختلاف الحياة السياسية والاجتماعية والدينية وطرق الاختيار هي:
1. الاختيار المشترك: وبمقتضاها يتمكن اختيار القضاة من قبل الهيئات القضائية ذاتها, هذه هي الطريقة المتبعة في النظام البلجيكي.
2. الاختيار عن طريق الانتخاب: وفي هذه الطريقة يلعب النفوذ السياسي والاقتصادي دورًا كبيرًا تضع بجانبه الصفات المميزة للقاضي من عدم الميل لمراكز القوى ذات النفوذ السياسي والاقتصادي ولإرضاء الناخبين كيما يعاد انتخابه وربما حاول أن يكون لذلك أكثر شعبية من أن يكون أكثر عدالة. وهذا ما عليه الحال في الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية.
3. التعيين من الحكومة: وهذا ما عليه الحال في فرنسا ومعظم الأقطار العربية. وفي العراق تقوم وزارة العدل بتعيين المتخرجين من المعهد القضائي سابقًا, أما حاليًا فيتم تعينهم من قبل مجلس القضاء الأعلى وفق المادة 17 من قانون المعهد القضائي رقم 33 لسنة 1976 المعدل والنافذ. أما شروط القبول في المعهد القضائي فهي وفق المادة 7 من القانون المذكور والتي تنص على أنه:
أولاً- يشترط في من يقبل للدراسة في المعهد توفر ما يلي:-
أ- يشترط في من يقبل في المعهد القضائي أو يعين قاضيًا أو عضوًا في جهاز الادعاء العام أن يكون عراقيًا بالولادة ومن أبوين عراقيين بالولادة.
ب- أن لا يزيد عمره عند قبوله في المعهد على (اربعين سنة) ولا يقل عن (ثمان وعشرين سنة) وذلك اعتبارًا من السنة الدراسية 1980/1981.
جـ- أن لا يكون محكومًا عليه بجناية غير سياسية أو جنحة مخلة بالشرف.
د- أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة.
هـ- أن تتوافر فيه الجدارة البدنية واللياقة.
و- أن يكون متخرجًا من أحدى كليات القانون والسياسة (قسم القانون) في العراق، أو كلية قانون معترف بها، بشرط اجتيازه امتحانًا بالقوانين العراقية، يحدد مجلس المعهد مواده، وكيفية اجرائه.
ز- أن لا يكون قد سبق فصله من المعهد.
ح- الغيت.
ط ـ أن يكون مؤمنًا بالله، وألا يكون هو أو احد ابنائه أو احد أبويه قد حكم عليه بجريمة مخلة بالشرف.
ك ـ أن يكون قد مارس المحاماة ممارسة فعلية مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وليس في مرافعاته خلل على حساب الحق والعدالة والقانون أو أن يكون قد مارس وظيفة قضائية أو قانونية في دوائر الدولة أو القطاع الاشتراكي للمدة المذكورة في الاقل .
ثانيًا- الغيت.
ثالثًا- يتفرغ المقبول في المعهد للدراسة خلال المدة المحددة.
رابعًا- أ- يعتبر الموظف المقبول في المعهد مجازًا إجازة دراسية لمدة سنتين.
ب- تحدد علاقة غير الموظف بمجلس القضاء بعقد خاص، ويمنح مخصصات شهرية تعادل ما يستحقه من راتب ومخصصات فيما لو عين موظفًا.
جـ - يلزم كل من يفصل من المعهد، لأي سبب كان، بإعادة جميع ما استوفاه من رواتب ومخصصات، إلا إذا كان ذلك بسبب مرض مانع، ثابت بتقرير من لجنة طبية رسمية.
خامسًا - لرئيس مجلس القضاء الأعلى أن يقبل في المعهد طلبة من الأقطار العربية، دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في البند (أولاً) من هذه المادة، عدا شرط التخرج من كلية القانون.
واجبات القاضي الشخصية
1. المحافظة على كرامة القضاء, والابتعاد عن كل ما يبعث الريبة في استقامته, فكل تصرف أو ارتياد محل فيه مظنة شبهة بسلوك القاضي عليه الابتعاد عن وتجنبه والمعيار مرن وواسع وأعتقد أن ذلك كان مقصودًا ليستوعب كل ما يستجد من أمور تثير الريبة والشك.
2. كتمان الأمور والمعلومات الوثائق التي يطلع عليها بحكم وظيفته أو خلالها إذا كانت سرية بطبيعتها أو يخشى من إفشائها لحوق ضرر بالدولة أو الاشخاص, ويظل هذا الواجب قائماً حتى بعد انتهاء خدمته.
3. عدم مزاولة التجارة أو أي عمل لا يتفق مع وظيفة القضاء. والمقصود بذلك عدم مزاولة ما يعتبره قانون التجارة عملاً تجاريًا وفق معايير العمل التجاري المقررة في ذلك القانون, ومع هذا أشار النص إلى أنه يمتنع أيضًا على القاضي القيام بأي عمل ولو لم يكن تجاريًا إلا أنه لا يتلاءم والمركز الوظيفي والاجتماعي والقانوني للقاضي.
4. الإقامة في مركز الوحدة الإدارية التي فيها مقر عمله إلا إذا أذن له وزير العدل سابقًا ورئيس مجلس القضاء الأعلى حاليًا بالإقامة في مكان آخر لظروف يقدرها. ومن المعلوم أن الحاجة قد تمس إلى وجود القاضي بعد أوقات الدوام الرسمي لعمل يتعلق بمهامه القضائية خاصة القضاة الذين يعملون في النواحي والأقضية إذ يكون لهؤلاء أكثر من صفة فهم قضاة جزاء وبداءة وأحوال شخصية وتحقيق وكاتب عدل في وقت واحد, كما أن سكانهم في غير مقر المحكمة يؤثر على إنتاجيتهم في العمل من حيث التنقل بين محل الإقامة ومحل العمل. إلا أن النص أجاز لوزير العدل سابقًا ولرئيس مجلس القضاء الأعلى حاليًا أن يأذن له بالإقامة خارج الوحدة الإدارية التي يعمل فيها.
5. ارتداء الكسوة الخاصة أثناء المرافعة وذلك وفق تعليمات يصدرها وزير العدل سابقًا ورئيس مجلس القضاء الأعلى حاليًا والقصد من هذا إضفاء نوع من الوقار والرسمية والتمييز للقاضي أسوة بما يرتدي افراد القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.
6. لا يجوز أن يشترك في هيئة قضائية واحدة قضاة بينهم مصاهرة أو قرابة لغاية الدرجة الرابعة. ولا يجوز أن ينظر القاضي طعنًا في حكم أصدره قاضِ آخر تربطه العلاقة المذكورة.
طالما الأحكام تصدر بالأغلبية وليس بالإجماع سواء في محاكم الدرجة الأولى أو محاكم الطعن. فإن من الممكن أن تؤثر هذه القرابة في عملية صنع القرار القضائي سواء على صعيد محاكم الدرجة الأولى أو محاكم الطعن ولكن ما هو مضمون هذه القرابة وكيف تحسب درجاتها؟
القرابة عبارة عن صلة بين أشخاص يعتبر أحدهم فرعًا للآخر, أو أنهم نزلوا جميعًا من أصل واحد. فأساس هذه القرابة هو الدم. وتقسم إلى قرابة مباشرة أو قرابة الحواشي. وهنالك قرابة المصاهرة التي تنشأ بسبب الزواج بين أحد الزوجين وأقارب الزوج الآخر. وقد بحثت المادة (39) من القانون المدني العراقي هذا الأمر حيث نصت على ما يلي:
1- القرابة المباشرة هي الصلة ما بين الأصول والفروع, وقرابة الحواشي هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل مشترك دون أن يكون احدهم فرعًا للآخر.
2- ويراعى في حساب درجة القرابة المباشرة اعتبار كل فرع درجة عند الصعود للأصل بخروج هذا الأصل, وعند حساب درجة قرابة الحواشي تعد الدرجات صعودًا من الفرع للأصل المشترك ثم نزولاً عنه إلى الفرع الآخر وكل فرع يعتبر درجة دون أن يحسب الأصل المشترك.
3- وأقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرج بالنسبة للزوج الآخر.
وسنتناول بالبحث تباعًا القرابة بأنواعها في ظل أحكام القانون المدني العراقي.
- القرابة المباشرة: وهي الصلة ما بين الأصول والفروع. ويراعي في حساب درجة القرابة المباشرة اعتبار كل فرع درجة عند الصعود للأصل بخروج هذا الأصل. ومثالها الأبن بالنسبة للأب وأبن الأبن بالنسبة لجده. ويمكن أن تشبه بخط عمودي ينزل من الأصل إلى الفرع. فقرابة الأبن من الأب في الدرجة الأولى وأبن الأبن إلى الجد في الدرجة الثانية... إلخ.
- القرابة الغير المباشرة (الحواشي): وهي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل مشترك دون أن يكون أحدهم فرعًا للآخر. فالأخوة قريبان قرابة حواشي حيث ينتسبان إلى اصل مشترك هو الأب وكذلك أبناء العم يلتقيان في أصل مشترك وهو الجد. وبالنسبة لقرابة الحواشي فإن لكل شخص فريقين من الأصول, فريق من أبيه وفريق من أمه وإن كان أصل من هؤلاء وأولئك يعتبر أصلاً مشتركًا لجميع فروعه ومن نزل منهم. فالإخوة من الحواشي وهم إما إخوة لأب أو إخوة لأم ويكونون إخوة أشقاء إذا اتحدوا في الاصلين. وتشمل قرابة الحواشي الأعمام والعمات والأخوال والخالات أيضًا وإن نزلوا. وفي حساب درجة قرابة الحواشي يكون الأخ في الدرجة من أخية وأبن الاخ في الدرجة الثالثة بالنسبة لعمه وأبن العم في الدرجة الرابعة لأبن عمه.
- قرابة المصاهرة: وهي القرابة التي تنشأ بسبب عقد الزواج ويترتب على المصاهرة أن يصبح كل من الزوجين صهرًا لأسرة الآخر وهذه القرابة مقصورة على أقارب كل زوج بالنسبة للزوج الآخر, ولا تتعدى إلى اقارب الزوجين بالنسبة لبعضهم البعض. وتحسب قرابة الأصهار على نحو ما تحسب به قرابة الحواشي, فاخ الزوجة هو في الدرجة الثانية بالنسبة لزوجها وأبن أخ الزوجة هو في الدرجة الثالثة وأبن عم الزوجة في الدرجة الرابعة. وهذه القرابة لا علاقة لها بالقرابة ضمن أحكام الشريعة الإسلامية بل هي رومانية الأصل انتقلت إلينا عن طريق القانون الفرنسي, وهي بالتالي لا يترتب عليها إرث ولا نفقة, ولكن يترتب عليها تقييد الحق في الزواج, ويرجع في ذلك أحكام الزواج حسب ديانة الشخص.
- الكتاب : المرافعات المدنية.
- المؤلف : د. آدم وهيب النداوي.
- الصفحة : 37 - 45.