يسود هذا النظام في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول التي تأثرت بالنظام الإنجليزي, وبذلك يعرف أيضًا بالنظام الأنجلوسكسوني. ولا يوجد في هذا النظام سوى هيكل قضائي واحد, ويكون اختصاص محاكمه شاملاً لجميع أنواع المنازعات بغض النظر عما إذا كانت تلك المنازعات إدارية أم عادية, إذ يتولى القضاء العادي إلى جانب مهمته الأصلية في الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد مهمة النظر في المنازعات الإدارية. ومن الجدير بالملاحظة أن العمل بهذا النظام لا يمنع أن يعهد المشرع وعلى سبيل الاستثناء إلى جهة إدارية معينه بنظر بعض المنازعات, مثال ذلك إناطة المشرع العراقي اختصاص النظر في قضايا الخدمة المدنية بمجلس الإنضباط العام سابقًا قبل صدور قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة.
ونظام القضاء الموحد لا يتمييز فقط بوحدة جهة القضاء التي تنظر في جميع المنازعات الإدارية والعادية بل كذلك بوحدة القانون الذي تطبق قواعده على جميع المنازعات. ولهذا النظام كما يرى أنصاره مزايا يتمتع بها, لكنه كما يرى المعارضون له أنه ينطوي على عيوب كثيرة حسب السرد الآتي:
- أولاً/ مزايا نظام القضاء الموحد:
1- يرى أنصار هذا النظام أنه الأكثر اتفاقًا مع مبدأ المشروعية, إذ فيه يخضع الأفراد والإدارة إلى قضاء واحد ينظر في جميع أنواع المنازعات, وقانون واحد يخضع له الجميع حكامًا ومحكومين, وذلك ولا شك يعد تطبيقًا لمبدأ المشروعية في أوسع نطاق.
2- كما يرون في هذا النظام أقوى الضمانات لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف الإدارة وجورها, فلا يصح أن تمتع الإدارة رغم حالات الإعتداء والتجاوز بمتيازات في مواجهة الافراد فتنشأ لها محاكم خاصة هي المحاكم الإدارية, بل يجب أن تخضع الإدارة للمحاكم العادية التي يخضع لها الافراد, لأن هذه المحاكم وحدها التي تستطيع حماية الحقوق والحريات الفردية.
3- كما يجد أنصار هذا النظام أنه يمتاز بالبساطة واليسر, إذ يخلو من التعقيدات التي تنشأ بسبب إشكالات تنازع الاختصاص أو تعارض الأحكام التي قد تنشأ في حال وجود قضاء آخر إداري إلى جانب القضاء العادي كما هو الحال في نظام القضاء المزدوج, وما يترتب عليها من إضاعة للجهد والوقت, فضلاً عن أن خلق نوعين من القضاء من شأنه أن يكلف الخزانة العامة نفقات لا مسوغ لها.
- ثانيًا/ عيوب نظام القضاء الموحد:
2- يؤخذ على نظام القضاء الموحد أيضًا أنه ينكر استقلال الإدارة, ذلك أن من خصائصه أن القاضي فيه كما هو الحال في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية يملك أن يوجه للإدارة أوامر ونواهٍ مكتوبة, أو تعديل ما اتخذته من قرارات, مما يجعل الإدارة خاضعة لهيمنة القضاء من جهة ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات من جهة أخرى. كما أن توجيه مثل هذه الأوامر يعد تدخلاً في عمل الإدارة من شأنه أن يعيق عملها.
3- إن تطبيقات هذا النظام في موطنه الأصلي إنجلترا ثم الولايات المتحدة الأمريكية تعد اعترافًا بعيوب هذا النظام, وعدم قدرة المحاكم العادية على مواجهة مشكلات الإدارة وتفهم طبيعة مهامها, والوسائل المناسبة لتحقيق هذه المهام. فقد إتجه المشرع الإنجليزي إلى إخراج أنواع متعددة من المنازعات الإدارية من اختصاص المحاكم العادية وجعلها من اختصاص الوزراء أو لجان خاصة أو محاكم إدارية متخصصة, كما هو الحال بالنسبة للمنازعات الخاصة بالصناعة والتجارة, وبراءات الإختراع, والمواصلات, والضمان الإجتماعي, والصحة العامة, والتعليم وغيرها. ولم يختلف منهج المشرع الأمريكي عن قرينة الإنجليزي, فقد أصدر العديد من القوانين المقررة لمسؤولية الدولة, وعهد بموجبها الاختصاص بنظر دعاوى المسؤولية إلى المجالس النيابية عن طريق تقديم العرائض والطلبات, وإلى كثير من المجالس واللجان الإدارية.
إن هذه المنازعات التي أخرجها كل من المشرع الإنجليزي والمشرع الأمريكي, من اختصاص المحاكم العادية, وإن كانت لا تعدو أن تكون حالات استثنائية محدده إلا أنها بلغت من الكثرة حدًا يكاد يطغى على المبدأ العام وهو اختصاص المحاكم العادية بنظر المنازعات الإدارية, مما دفع بعض الفقهاء إلى عد هذا الاتجاه الجديد خطوة نحو إنشاء قضاء إداري مستقل وفق النموذج الفرنسي, الأمر الذي من شأنه أن يعمل على تحرر وإنطلاق ونمو وإزدهار القانون الإداري في الدول الأنجلوسكسونية.