الدستور كمصدر من مصادر المشروعية - المرشد القانوني

الدستور كمصدر من مصادر المشروعية

 إن القانون الذي تخضع له الإدارة لا يقتصر على القواعد التي تضعها السلطة التشريعية, وإنما يشمل كل قواعد القانون الوضعي, أيًا كان مصدرها وأيًا كان شكلها مدونة أم غير مدونة, وتنحصر المصادر المدونة للقواعد القانونية الملزمة للإدارة في; النصوص الدستورية, وأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية, والقوانين الصادرة من السلطة التشريعية, والأنظمة (اللوائح) والقرارات التنظيمية التي تصدرها الإدارة في ذاتها, والأحكام القضائية.

فالدستور يعد من أولى المصادر المدونة لمبدأ المشروعية والذي تلتزم به الإدارة, وذلك لأن قواعده الدستورية تعد أسمى من جميع القواعد الأخرى التي تخضع لها الإدارة كونها تنشئ السلطات العامة في الدولة وتنظمها, وتحدد دائرة اختصاص كل منها, وتبين كيفية ممارسة هذه الاختصاصات, والتي تتضمن فلسفة النظام السياسي والإجتماعي والاقتصادي في الدولة وتعين آفاق وغايات تلك الفلسفة ودعائم المذاهب والنظريات التي تستند إليها, فضلاً عن أن الدستور هو الذي يقرر ويحدد حقوق الإفراد وحرياتهم وكذلك إلتزامتهم.

ويتصل بالدستور بوصفه مصدرًا للمشروعية, بحث مشكلة القيمة القانونية لإعلانات الحقوق المنفصلة عن الدساتير, وكذلك المقدمة أو الديباجة التي تتصدر الدساتير وتتضمن المبادئ والمثل العليا التي استلهما واضعوها.

وبصدد مواجهة هذه المشكلة فقد توزع الفقه بين مذاهب عديدة ومنها :

1- ذهب جانب من الفقه إلى أن للمبادئ التي تضمنتها تلك الإعلانات أو مقدمات الدساتير قيمة قانونية أعلى من قيمة النصوص الدستورية ذاتها, إستنادًا إلى أنها تعبير عن الإرادة العليا للأمة, وتتضمن المبادئ الأساسية الدستورية المستقرة في الضمير الإنساني العالمي, وباعتبارها تجسد جوهر الفلسفة التي تشيد عليها النصوص الدستورية, وبهذا فهي ملزمة للسلطة التأسيسية التي تقوم بوضع الدستور, ومن باب أولى فهي ملزمة للسلطات المؤسسة بموجب الدستور وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

2- بينما يضع بعض الفقه المبادئ التي تضمنتها الإعلانات أو مقدمات الدساتير على قدم المساواة مع النصوص الدستورية على أساس أنها تعبير عن إرادة السلطة التأسيسية شأنها في ذلك شأن النصوص الدستورية.

3- ويعترف بعض الفقهاء لهذه المبادئ والمقدمات بقيمة القوانين العادية كونها تنص على بعض الحقوق ولكنها لا ترقى إلى مرتبة النصوص الدستورية الجامدة, لأن واضيعها لو أرادوا لها قيمة تلك النصوص لأوردوها في صلب الدستور, ولذلك يجوز للمشرع العادي أن يتناولها بالتعديل, ولكن الإدارة تلتزم بإحترامها كما تلتزم بإحترام القوانين العادية.

4- ومن الفقهاء من ينكر على إعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير كل قيمة قانونية ويجردها من كل قوة إلزامية, كونها تتضمن مبادئ فلسفية وسياسية أكثر منها قانونية محددة, فيضفي عليها قيمة أدبية فحسب, فهي لا تعدو أن تكون تعبيرًا عن أهداف وآمال ومثل واضعي الدستور.

5- ويميز رأي اخير في الفقه بين نوعين من المبادئ التي تحتويها إعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير, فما صيغ منها في شكل قواعد قانونية تنشئ مراكز قانونية واضحة الحدود والمعالم, تكون لها قوة إلزام النصوص الدستورية خلافًا لما أعلن منها في شكل أهداف أو مثل عليا, أو توجيهات عامة فإنها لا تصلح لأن تكون قواعد قانونية بالمعنى الصحيح, ومن ثم تكون مجردة من كل قيمة قانونية.

ويتخذ مجلس الدولة الفرنسي إزاء هذه المشكلة موقفًا مغايرًا بعض الشيء للآراء المتقدمة, كما أن موقفه هذا خضع لنوع من التطور. فلم يكن مجلس الدولة ينظر إلى النصوص الواردة في إعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير على أنها نصوص قانونية مكتوبة, بل بوصفها مبادئًا عرفية أو مبادئًا قانونية عامة فحسب. ولكن مجلس الدولة منذ وقت حديث نسبيًا بدأ يستند إلى النصوص الواردة في إعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير بطريقة مباشرة, كونها مصدرًا لقواعد قانونية مكتوبة, لها بذاتها قوة إلزامية قانونية ويترتب على مخالفتها من جانب الإدارة بطلان ما تصدره من قرارات مخالفة لها.

ونحن نعتقد أن النصوص التي تتضمنها إعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير ترقى إلى درجة القواعد القانونية الملزمة, وأنها تتمتع بذات القيمة القانونية للقواعد الدستورية لأنها نابعة من إرادة السلطة التأسيسية, بل إن ما يشكل من هذه النصوص قواعدًا قانونية بالمعنى الصحيح يحتل مرتبة أعلى من النصوص الدستورية لكونها تتضمن مبادئ اساسية مستقرة في الضمير العالمي الإنساني ومن ثم فهي تسمو على نصوص الدستور الوضعي, فهي تجسيد لهذه المبادئ التي تمتع بقدسية خاصة وإحترام واجب ولو لم ترد في متن الدستور, ومن ثم فهي تقيد السلطة المؤسسة مثلما تقيد السلطات العامة في الدولة ومنها الإدارة.

فالنصوص الواردة في إعلانات الحقوق أو مقدمات الدساتير تعلن المبادئ الأساسية والأهداف العامة وترسم الإطار العام للنظام السياسي والاقتصادي والإجتماعي للدولة, في حين أن النصوص الدستورية تتضمن القواعد التفصيلية المنظمة للسلطات المختلفة على ضوء تلك الأهداف وفي حدود ذلك الإطار.


- الكتاب : القضاء الإداري.
- المؤلف : د. وسام صبار العاني.
- الصفحة : 12 - 15.
اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً