لقد اختلف الفقهاء في فرنسا اختلافًا كبيرًا لوضع معيار لتحديد أعمال السيادة وتمييزها عن سائر أعمال الإدارة الأخرى, لأن السلطة التنفيذية تصدر أعمالاً غير أعمال السيادة, وهي التصرفات الإدارية التي تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري إلغاءً وتعويضًا, فتصبح مسألة البحث عن هذا المعيار في غاية الأهمية والخطورة وأهم المعايير التي قيلت بهذا الشأن هي :
- معيار الباعث السياسيوهو أول المعايير وأقدمها التي اعتمدها مجلس الدولة الفرنسي لتحديد أعمال السيادة, ووفقًا لهذا المعيار فإن العمل يعد من أعمال السيادة إذا كان الباعث عليه سياسيًا, أما إذا لم يكن الباعث عليه كذلك فإن العمل يعد من الأعمال الإدارية العادية ومن ثم يخضع لرقابة القضاء. وقد أنتقد هذا المعيار بشدة نظرًا لما يعيبه من مرونة وعدم تحديد, فالعمل الواحد يمكن وصفه بأنه من أعمال السيادة إذا كان غرضه سياسي, وأنه عمل إداري إذا لم تصفه الحكومة بأنه عمل سيادي, كما أن هذا المعيار بالغ الخطورة إذ يتيح للسلطة التنفيذية التخلص من رقابة القضاء بمجرد الإدعاء بأن الباعث على العمل أو التصرف كان سياسي.لذا فإن هذا المعيار لم يطبق الإ في مدة وجيزة, وتخلى عنه مجلس الدولة ومحكمة التنازع منذ حكمه في قضية الأمير نابليون سنة 1875, وأصبح الاحتجاج بالباعث السياسي فيما بعد سببًا للإلغاء استنادًا إلى عيب انحراف السلطة.
- معيار طبيعة العمل الذاتية أو الموضوعيةالعبرة في تمييز عمل السيادة عن غيره بطبيعته ومؤداه أن العمل يتميز بذاته أو موضوعه. وفي هذا المجال يرى البعض بأن العمل يكون من أعمال السيادة إذا كان تنفيذًا لنص دستوري, ويكون من قبيل الأعمال الإدارية العادية إذا كان تنفيذًا للتشريع العادي. في حين يرى البعض الآخر, بأن العمل يكون من أعمال السيادة إذا كان صادرًا عن السلطة التنفيذية بوصفها حكومة, ويكون عملاً إداريًا عاديًا إذا كان صادرًا منها باعتبارها إدارة.ويؤخذ على الرأي الأول أنه رأي تحكمي كما أن يجعل من النصوص الدستورية التي يفترض أنها معقلاً لحقوق الأفراد وحصنًا لحرياتهم وسيلة للتهرب من رقابة القضاء, ويعيب الرأي الثاني أنه تحكمي أيضًا كما أنه يستلزم حل مشكلة التمييز بين الحكومةوالإدارة وهي مشكلة معقدة لم تجد لها حلاً دقيقًا لغاية الآن.
- معيار القائمة القضائيةنظرًا لفشل المحاولات السابقة لعدم كفاية المعيارين السابقين في تحديد أعمال السيادة, فقد لجأ اتجاه في الفقه إلى مجموعات أحكام المحاكم لاستقراء الأحكام القضائية من أجل استخلاص ما يعد وفقًا لها من أعمال السيادة, واستطاع أن يضع قائمة لهذه الأعمال, وأهم ما تضمنته هذه القائمة :1. الأعمال المنظمة لعلاقة السلطة التنفيذية بالبرلمان.2. الأعمال المتصلة بالعلاقات الدولية والدبلوماسية.3. بعض الأعمال الحربية والأعمال المتعلقة بالحرب.4. بعض الأعمال والإجراءات الخاصة بسلامة الدولة وأمنها الداخلي.
واخيرًا ينبغي الإشارة لمحاولات الفقه الفرنسي الكثيرة في التصدي لنظرية أعمال السيادة التي عدها منذ نشأتها ثغرة في بناء المشروعية ووصمة في جبين القانون العام, وكانت هذه المحاولات تسير في اتجاهات ثلاثة, الأول يذهب نحو التضييق من دائرة أعمال السيادة, وذلك بإخراج أعمال من قائمتها كان يعدها من أعمال السيادة فبدأ يبسط رقابته عليها إلغاءً وتعويضًا. والاتجاه الثاني ذهب نحو الحد من الآثار الخطيرة التي تترتب على هذه النظرية, وذلك بقصر هذه الآثار على الحصانة ضد الإلغاء وفحص المشروعية دون التعويض. أما الاتجاه الثالث فكان يتمثل بالدعوة للقضاء بصفة نهائية على هذه النظرية والاستغناء عنها, والاستناد إلى نظريات ومبادئ أخرى كنظرية السلطة التقديرية مثلاً التي من شأنها أن تحقق التوازن بين اعتبارين لازمين ومتعراضين, هما مبدأ المشروعية من جهة, وضرورة تمتع الإدارة أو الحكومة بقدر من حرية التقدير والتصرف من جهة أخرى.
ومع ذلك لا زالت هذه النظرية على قيد الحياة بالرغم ما أصابها من وهن وضعف, وما زال القضاء الفرنسي يستعمل صراحة اصطلاح أعمال السيادة في احكامه.