الوعد بالبيع هو عقد يلتزم به شخص بأن يبيع شيئًا معينًا بثمن معين للموعود له، إذا أبدی الأخير رغبته في الشراء، خلال مدة معینة، فالوعد بالبيع يختلف عن الإيجاب بالبيع إذ يجوز الرجوع عن الإيجاب إذا لم يقترن بعد بالقبول أو إذا لم تحدد مدة للإلتزام به، بينما الوعد بالبيع عقد ينشأ من إیجاب الواعد بالبيع وقبول الموعود له، لذلك لا يمكن الرجوع عن الوعد من قبل الواعد. كما إنه يختلف عن البيع لأن عقد البيع عقد ملزم لجانبيه، أما الوعد بالبيع فهو عقد ملزم لجانب واحد فقط وهو الواعد، ويعتبر بعض الفقهاء الوعد بالبيع بيعًا معلقًا على شرط واقف هو إستعمال الموعود له حقه في الشراء، إلا إن هذا الرأي منتقد، لأن في البيع المعلق على شرط واقف تتجه إرادة الطرفين منذ إبرام العقد إلى البيع والشراء مع تعليق الإلتزامات التي تنشأ عنه إلی حين تحقق الشرط الواقف. بينما في الوعد بالبيع لا تتجه إرادة الواعد والموعود له إلى شيء من ذلك. ويرى آخرون بطلان الوعد بالبيع لإقترانه بشرط إرادي محض. وقد أنتقد هذا الرأي أيضًا بداعي إن من المعروف إن الشرط الإرادي المحض الذي يبطل العقد هو ذلك الشرط الذي يعلق تحققه أو تخلفه على مجرد إرادة المدين. بينما يلاحظ في الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد إن إتمام العقد يتوقف على إرادة الدائن. ويذهب جمهور الشراح إلى أن الوعد بالبيع عقد صحیح يتميز عن عقد البيع وله أحكامه الخاصة.
أركان الوعد بالبيع
يتضح من نص المادتين 78 و 91 من القانون المدني إن أرکان الوعد بالبيع هي الرضا، المبيع، الثمن، المدة، والشكلية.
1- الرضا: إن الوعد بالبيع بإعتباره عقدًا لابد لإنعقاده من وجود الرضا، فالواعد يلزم أن يكون أهلاً للتصرف، أي البيع النهائي وقت الوعد بالبيع. لأن الأهلية بالنسبة للواعد تقدر وقت الوعد لأنه يلتزم بوعده من هذا الوقت. أما الموعود له فلا يلتزم بشيء وقت الوعد بالبيع، لذلك يكفي أن یكون مميزًا في هذا الوقت، على أن تتوافر فيه أهلية التصرف وقت إظهار رغبته في الشراء لأنه سيلتزم بالبيع النهائي في هذا الوقت لا وقت الوعد. أما عيوب الإرادة فتقدر بالنسبة إليه وقت الوعد ووقت التعاقد النهائي معًا، لأن الرضا يصدر منه في هذين الوقتين، فيجب أن يكون رضاؤه في كليهما صحيحًا.
2- الثمن: يلزم لأنعقاد الوعد بالبيع أن یكون الثمن محددًا في العقد بإتفاق الطرفين أو على الأقل أن يكون هذا العقد متضمنًا الأسس التي تجعله قابلًا للتحديد. أما إذا لم يكن الثمن محددًا في العقد أو قابلًا للتحديد فلا ينعقد الوعد بالبيع لتخلف ركن الثمن.
3- المبيع: يجب لأنعقاد الوعد بالبيع تعيين المبيع تعیينًا نافيًا للجهالة الفاحشة، كما ينبغي، إضافة لذلك أن يكون المبيع مما يجوز التعامل فيه قانونًا وإلا فلا يصح الوعد كما هو الحال عند ورود الوعد بالبيع على التعامل بالتركة المستقبلية أو على مادة من المواد التي منع القانون التعامل فيها كالأفيون والحشيش وغيرها.
4- المدة: الوعد بالبيع كما أسلفنا هو عقد يلتزم به الواعد بأن يبيع شيئًا معينًا بثمن معين للموعود له إذ ما أظهر الأخير رغبته في الشراء خلال مدة معينة. فتحديد المدة التي على الموعود له خلالها إستعمال حقه في الشراء أمر ضروري لإنعقاد الوعد بالبيع. كما إنه أمر ضروري ومفيد للواعد حتی لا یبقی تحت رحمة الموعود له مدة غير محددة. وتحديد المدة كما يجوز أن يتم صراحة بتحديد مدة محددة أو قابلة للتحديد، يجوز أيضًا أن يقع دلالة كما لو تبين إن العقد الموعود به لايجدي تنفيذه بعد فوات وقت معين، فهذا الوقت هو المدة التي يجب خلالها إبرام هذا العقد، وكذلك إذا ورد الوعد بالبيع في عقد إيجار فيمكن القول بأن مدة الوعد هي نفس مدة الإيجار. ومع ذلك يذهب البعض إلى إنه لا مجال للأخذ بالرأي القائل بجواز الوعد بالبيع ولو لم تحدد له مدة صراحة في العقد، بداعي إن المادة 91 من القانون المدني العراقي تشترط صراحة تحديد هذه المدة. وعلى كِل إذا لم يتضمن الوعد صراحةً ولاضمنًا مدة لإبرام البيع النهائي، كان الوعد بالبيع باطلاً.
5- الشكلية: تقضي المادة 91 من القانون المدني بوجوب اتباع الشكلية في عقد الوعد إذا كان العقد المراد إبرامه خاضعًا للشكلية بالذات سواء أكانت الشكلية المقررة للإنعقاد أم للإثبات. إلا إنه لما كان التسجيل العقاري قاصرًا على التصرفات التي ترتب أثرًا من الآثار الواردة في الفقرة الأولى من المادة 3 من قانون التسجيل العقاري وهي: (كل تصرف من شأنه إنشاء حق من الحقوق العينية الأصلية والتبعية أو نقله أو تغييره أو زواله وكل تصرف مقرر لحق من الحقوق المذكورة)، وحيث إن الوعد ببيع العقار لا يرتب مثل هذه الآثار إذ يبقى الواعد مالكًا للعقار الذي وعد ببيعه، فإن الوعد لا يعتبر من ضمن هذه التصرفات ولذلك لا يسجل في دائرة التسجيل العقاري، مما يعني بطلان الوعد في التشريع العراقي وليس لهذا الحكم محل في القانون المدني المصري الذي يعتبر عقد بيع العقار عقدًا رضائيًا.
ولكن ما الحكم إذا أبدی الموعود له رغبته في شراء العقار خلال المدة المتفق عليها ؟
لانستطيع القول بتحول الوعد إلى عقد بيع عقار لبطلان الوعد أصلاً للسبب الذي بيناه إلا إنه بالإمكان القول بأننا نكون في مواجهة بيع عقار غير مسجل (خارجي) الأمر الذي يقتضي خضوعه لأحكام هذا العقد الباطل.
أحكام الوعد بالبيع
الوعد بالبيع عقد يمر في مرحلتين: هما مرحلة الوعد بالبيع ومرحلة البيع التام.
1. أحكام مرحلة الوعد بالبيع:
تبدأ هذه المرحلة وقت إنعقاد الوعد بالبيع وتنتهي بإنتهاء الأجل المحدد لأشهار الموعود له رغبته في الشراء. والعقد في هذه المرحلة يكون عقدًا ملزمًا لجانب واحد وهو الواعد، إلا إن هذا الألتزام ليس إلا إلتزامًا شخصيًا، يلتزم الواعد بموجبه بإبرام البيع النهائي، إذا طلب الموعود له ذلك خلال المدة المتفق عليها لذلك. ويترتب على ذلك النتائج التالية:
أولاً: إن الواعد يبقى مالكًا للشيء الموعود ببيعه وبالتالي يكون له حق التصرف فيه بكافة أنواع التصرفات كالبيع والهبة والوصية وغير ذلك. وتكون هذه التصرفات نافذه في مواجهة الموعود له إلا إنه للأخير المطالبة بالتعويض طبقًا لقواعد المسؤولية التعاقدية. وللموعود له إضافة إلى ذلك إقامة دعوى عدم نفاذ التصرفات فيما إذا توفرت شروطها (263، 364 م مدني) هذا ولما كان إثبات هذه الشروط أمرًا صعبًا في الغالب، لذلك كثيرًا ما يلجأ الموعود له إلى الأتفاق مع الواعد على أن يرتب له رهنًا على الشيء الموعود ببيعه فيضمن بذلك الأفضلية لحماية حقه من أی تصرف قد يصدر من الواعد خلال المدة المعينة للوعد.
ثانيًا: لما كان الشيء الموعود ببيعه يبقى في ملك الواعد فهلاکه کلیًا یكون على الواعد ويؤدي إلى إنقضاء إلتزام الواعد. أما إذا كان الهلاك جزئيًا فيری البعض بأن الموعود له يكون في هذه الحالة مخيرًا بین رفض الوعد أو قبول الباقي من الموعود ببيعه بكل الثمن المتفق عليه لأن الثمن مسمى في عقد الوعد، ولا يجوز إرغام الواعد على إنقاصه ونؤيد الرأي القانل بأن للمشتري إتمام البيع مع إنقاص الثمن في هذه الحالة وذلك نظرًا لحكم الفقرة الأولى المادة 547 من القانون المدني التي تنص على إنه إذا ملك المبيع في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري بهلك على البائع ولا شيء على المشتري إلا إذا حدث الهلاك بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع وإذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم لتلف إصابة فالمشتري مخير بين فسخ البيع وبين بقائه مع إنقاص الثمن. إذا حصلت زيادة في قيمة الشيء لا في مقداره، ووافق المشتري على الشراء فإن البيع يتم بالثمن المسمى في الوعد. أما إذا حصلت الزيادة في مقدار الشيء الموعود ببيعه وأظهر الموعود له رغبته في الشراء، فالزيادة تكون في هذه الحالة من حق الواعد ولا يجبر على التنازل عنها إلا في مقابل زيادة الثمن. كما أن ثمار الشيء وحاصلاته خلال مرحلة الوعد تكون ملكًا للواعد ولا يحق للموعود له إذا ما أبدى رغبته في الشراء، المطالبة بها.
ثالثًا: للموعود له أن يحول حقه الشخصي إلى الغير طبقًا لقواعد حوالة الحق لأن حق الموعود له هذا مالي، لیست لشخصيته في الغالب أي إعتبار في تعهد الواعد. إلا إذا وجد إتفاق يمنعه من ذلك، أو إذا روعي فيه شخص الموعود له وإن نية الطرفين المتعاقدين منصرفة إلى عدم جواز الإسقاط.
رابعًا: لما كان الموعود له دائنا بحق شخصي، فله بهذا الإعتبار وطبقًا للقواعد العامة في الإلتزامات إجبار الواعد، بإعتباره مدینًا، على تنفيذ إلتزامه تنفيذًا عينيًا (246 م مدني).
2. أحكام مرحلة البيع التام:
إذا مضت المدة المعينة لتعهد الواعد دون أن يظهر الموعود له رغبته في الشراء تحلل الواعد من إلتزامه قبله من دون حاجة لأعذار وكذلك الحكم إذا ما أعلن الموعود له رغبته في الشراء بعد إنقضاء المدة المذكورة أو إذا أعلن عدم رغبته في الشراء خلال هذه المدة، لأن الموعود له بهذا الرفض يكون قد أبرأ ذمة الواعد من وعده. أما إذا قبل الموعود له الشراء خلال المدة، فإن الوعد بالبيع يتحول في هذه الحالة إلى عقد بیع تام منتج لآثاره القانونية، وإظهار الرغبة لا يخضع لشكل مخصص قانونًا فهو قد يحصل بالقول أو بالكتابة أو قد يرد صراحةً أو ضمنًا، فتصرف الموعود له بالموعود ببيعه أو دفعه لقسط من أقساط الثمن يعتبر قبولاً ضمنيًا بالشراء. وليس لإعلان الرغبة أثر رجعي فالبيع لا ينعقد إلا من وقت قبول الموعود له بالشراء. ويترتب على ذلك إن جميع تصرفات الواعد التي رتب بها حقًا للغير على المال الموعود به تسري في مواجهة الموعود له، سواء أكان حق الغير حقًا عينيًا أم شخصيًا. ولكن للموعود له المطالبة بالتعويض أو الطعن في التصرف بدعوی عدم نفاذه في حقه وفقًا للمادة 263 من القانون المدني إذا توفرت شروط تطبيق هذه المادة. وكذلك حين تعين طبيعة العيب، إذا أراد المشتري الطعن في العقد للعيوب الخفية، وما إذا كان العيب خفيًا أو ظاهرًا ينظر إليه من تاريخ إعلان الموعود له رغبته في الشراء لا وقت الوعد بالبيع. كما إن تقدير الغبن ينظر فيه إلى قيمة المبيع وقت قبول الموعود له الشراء. وعلى كلا فإن الواعد يصبح بائعًا والموعود له مشتريًا وترتبت في ذمة الأول إلتزامات البائع وفي ذمة الثاني إلتزامات المشتري.
- الكتاب : الموجز في العقود المسماة - عقد البيع.
- المؤلف : د. سعيد مبارك.
- الصفحة : 37 - 42.