مرافعة المحامي بين الواجب والامتناع من قبله اثناء الترافع - المرشد القانوني

مرافعة المحامي بين الواجب والامتناع من قبله اثناء الترافع

المرافعة هي الخطاب الذي يلقيه المحامي أمام المحكمة أو القاضي ناظر القضية من أجل القضاء له بالحق المدعى به, أو بمعنى آخر هي الشرح الشفوي من الخصم أو وكيله للادعاءات أو أوجه الدفاع أو أسانيديها أمام المحكمة. وتأتي أهمية المرافعة من منطلق أن القضاء في خصومات الناس من أدق الأمور وأشقها, فالقاضي إنسان لا عصمة له من الخطأ, وكشف الحقيقية تحتاج إلى بذل جهود مستمرة لإظهارها والدفاع عنها ضد الكذب والافتراء للوصول إلى الانتصار عن الرذيلة والمخادعات. فلا شك بأن المحامي المبتدئ سوف يحتاج إلى فترة طويلة لتطوير فن المرافعة فالأخيرة لا تائتي أوتوماتيكيا بعد التخرج وانما تحتاج إلى ممارسة فعلية في مجال المحاماة, فالمرافعة تحتاج إلى أساليب يجب اتباعها لكي تعزز من قوتها في الاقناع من حيث أوجه الدفاع أو الهجوم وهو أمر لا بد منه وإلا فمن غير المتصور أن يدخل الجندي للميدان من غير لامة حربه. لأن الحقيقية لا تدافع عن نفسها بنفسها, خاصة أن الناس بحكم الطبع والتطبع ليسوا اصفياء النفوس, أتقياء الروح, ولذلك فإن أسلوب التعبير في المرافعة يعد ضرورة ملحة ولازمة للعدالة لأنها سبيل الوصول للحقيقية. 


ولما كان الغرض من المرافعة إقناع القاضي بأن يطلعه المترافع على مواطن الحق فيما يطلب أن يقضي له به, ومواطن الباطل فيما يدعيه الخصم, فإن المرافعة تتطلب بلاغة معتدلة لا أثر فيها للتكلف, واعتدال في الالفاظ وقصد في الإشارات وتناسب في الصوت وابتعاد عن كل ما هو تمثيل فيجب أن تتوفر في المرافعة الإيجاز والبساطة في التعبير وقوة الدليل, فالمحامي يسعى لإقناع القاضي ولا لإملاله, ولهذا يتوخى في مرافعته الإيجاز حتى لا يتشتت فكر القاضي في تتبع مجريات الدفاع فالإطالة في ذاتها مضرة بالمرافعة لأن المحامي في سبيل الإطناب يفترض دفوعا وحالات قد لا تخطر ببال الخصم, ويحاول تنفيذها وقد لا ينجح وبذلك يتسبب في إضاعة القضية كان من المفترض هو كسبها.


وكذلك يجب أن يراعي المحامي في مرافعته البساطة بأن يترافع ببساطة وبلغة لا تختلف عن لغة التخاطب العادي, فتكون واضحة جلية مرتبة مع حركات نادرة تتناسق مع العبارة, فمن غير المعقول أن يكثر  المحامي في السجع في دفاعه, لأن المرافعة ليست رسالة إنشائية أو أنموذجًا أدبيا وانما هي حديث القلب للقلب والعقل للعقل فلا يجب ان تتقيد بنثر مسجوع أو شعر موزون, فعلى المحامي أن يبتعد عن التكلف وألا يلجأ إلى التعبير العامي إلا حيث يكون لذلك التعبير طلاوة خاصة ووقع جميل, وكذلك على المحامي مراعاة حيوية التعبير إذ لا يكفيه أن تكون مرافعته موجزة بسيطة غنية بالحجج والأسانيد بل يجب عليه أن يحيى مرافعته كما يحيى الممثل دوره.


على أن حيوية المرافعة ليس معناها رفع الصوت والإكثار من حركات الجسم واليدين والضرب على منصة  القضاء, فحيوية المرافعة تتمثل في الصوت الذي يرتفع عند الاقتضاء وينخفض عند اللزوم فينقلب همسًا بين المحامي والقاضي, فالألفاظ تكاد تكون في سباق  أحيانا من شدة التأثر وتتباطأ أحيانا لتزيد تأثيرها قوة, والمرافعة الحيوية تكاد تكون في طرق التعبير المختلفة باختلاف المواقف, فمن سؤال استنكاري لسؤال يترك الجواب عليه لفطنة القاضي, وتكاد تكون في السكوت حيث السكوت أقوى بيانا وأبلغ من الكلام أو في الرد السريع المفحم. فحياة المرافعة تكون في الحركة المعتدلة التي تساير اللفظ علوا أو هبوطًا وسرعة أو بطئا, وفي طريقة ذكر الوقائع وشرحها والتدليل عليها وفي ترتيب الأدلة وفي تنسيقها, وفي قول ما يجب أن يقال وفي إغفال ما لا فائدة في ذكره, وكذلك ينبغي على المحامي مراعاة قوة التدليل في مرافعته, وذلك بالابتعاد عن كل ما لا علاقة له بموضوع القضية, والاقتصار على ذكر الأدلة التي تؤيد وجهة النظر التي يدافع عنها المحامي, وسردها بطريقة تظهر قوتها وتحتم الأخذ بها, إذ تلك هي مهمة المحامي الأولى, فبراعة المحامي لا تعدو إتقانه لطريقة سرد وقائع القضية واسانيده.


ينظر: المحامي الدكتور عبد الكريم بن إبراهيم بن ناصر العريني, مكتبة القانون والاقتصاد, الرياض, ط1, 2016, ص (42-43).
اهلاً بكم في مدونة المرشد القانوني

نلفت أنظاركم إلى مستودع في غاية الأهمية على منصة التيليجرام علمًا هو متخصص بإرفاق المصادر القانونية من حيث المعاجم والكتب والمجلات والاطاريح والرسائل.

حسناً